[ غرف ] منازل رفيعة عالية في الجنة، والغرفة : المنزلة والمكانة السامية ومنه قوله تعالى :[ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ].
التفسير :
[ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ] أي هذا القرآن تنزيل من الله جل وعلا [ العزيز ] أي القادر الذي لا يغلب [ الحكيم ] أي الذي يفعل كل شيء بحكمة وتقدير وتدبير
[ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ] أي نحن أنزلنا عليك يا محمد القرآن العظيم، متضمنا الحق الذي لا مرية فيه، والصدق الذي لا يشوبه باطل أو هزل
[ فاعبد الله مخلصا له الدين ] أي فاعبد الله وحده، مخلصا له في عبادتك، ولا تقصد بعملك ونيتك غير ربك
[ ألا لله الدين الخالص ] أي ألا فانتبهوا أيها الناس : إن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم، لأنه المتفرد بصفات الألوهية، المطلع على السرائر والضمائر، ومعنى ( الخالص ) : الصافي من شوائب الشرك والرياء
[ والذين اتخذوا من دونه أولياء ] أي وهؤلاء المشركون الذين عبدوا من دونه الأوثان يقولون :
[ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ] أي ما نعبد هذه الآلهة والأصنام، إلا ليقربونا إلى الله قربى ويشفعوا لنا عنده، قال الصاوي : كان المشركون إذا قيل لهم : من خلقكم ؟ ومن خلق السموات والأرض ؟ ومن ربكم ورب آبائكم الأولين ؟ فيقولون : الله، فيقال لهم : فما معنى عبادتكم الأصنام ؟ فيقولون : لتقربنا إلى الله زلفى، وتشفع لنا عنده
[ إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ] أي يحكم بين الخلائق يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أمر الدين، فيدخل المؤمنين الجنة، والكافرين النار
[ إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ] أي لا يوفق للهدى، ولا يرشد للدين الحق، من كان كاذبا على ربه، مبالغا في كفره، وفي الآية إشارة إلى كذبهم في تلك الدعوى
[ لو أراد الله أن يتخذ ولدا ] أي لو شاء الله إتخاذ ولد على سبيل الفرض والتقدير
[ لاصطفى مما يخلق ما يشاء ] أي لاختار من مخلوقاته ما يشاء ولدا على سبيل التبني -إذ يستحيل أن يكون ذلك في حقه تعالى بطريق التوالد المعروف - ولكنه لم يشأ ذلك لقوله :[ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ] وقوله :[ مما يخلق ] أي من المخلوقات التي أنشأها وإخترعها، لأنه تعالى ليس له مثيل ولا نظير، ولا والد ولا ولد! !
[ سبحانه هو الله الواحد القهار ] أي تنزه جل وعلا وتقدس، عن الشريك والولد، لأنه هو الإله الواحد الأحد، المنزه عن النظير والمثيل، القاهر لعباده بعظمته وجلاله، قال في التسهيل : نزه تعالى نفسه من إتخاذ الولد، ثم وصف نفسه بالواحد لأن الوحدانية تنافي إتخاذ الولد، لأنه لو كان له ولد لكان منه جنسه، ولا جنس له، لأنه واحد، ووصف نفسه بالقفار ليدل على نفي الشركاء والأنداد، لأن كل شيء مقهور تحت قهره تعالى، فكيف يكون شريكا له ؟ ثم ذكر تعالى بعض دلائل قدرته ووحدانيته وعظمته، فقال :
[ خلق السموات والأرض بالحق ] أي خلقهما على أكمل الوجوه وأبلغ الصفات، بالحق الواضح والبرهان الساطع
[ يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ] أي يغشي الليل على النهار، ويغشي النهار على الليل، وكأنه يلف عليه لف اللباس على اللابس، قال القرطبي : وتكوير الليل على النهار : تغشيته إياه حتى يذهب ضوءه، ويغشي النهار على الليل فيذهب ظلمته، وهذا منقول عن قتادة وهو معنى قوله تعالى :[ يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ]
[ وسخر الشمس والقمر ] أي ذللهما لمصالح العباد
[ كل يجري لأجل مسمى ] أي كل منهما يسير إلى مدة معلومة عند الله تعالى، ثم ينقضي يوم القيامة، حين تكور الشمس وتنكدر النجوم