[ ألا هو العزيز الغفار ] أي هو جل وعلا كامل القدرة لا يغلبه شيء، عظيم الرحمة والمغفرة والإحسان، قال الصاوي : صدرت الجملة بحرف التنبيه " ألا " للدلالة على كمال الإعتناء بمضمونها كأنه قال : تنبهوا يا عبادي، فإني أنا الغالب على أمري، الستار لذنوب خلقي، فأخلصوا عبادتكم ولا تشركوا بي أحدا
[ خلقكم من نفس واحدة ] أي خلقكم أيها الناس من نفس واحدة هي آدم، وهذا من جملة أدلة وحدانيته، وإنفراده بالعزة والقهر، وجميع صفات الألوهية
[ ثم جعل منها زوجها ] أي ثم خلق من آدم " حواء " ليحصل التجانس والتناسل، قال الطبري : المعنى :
[ خلقكم من نفس واحدة ] يعني آدم
[ ثم خلق منها زوجها ] يعني حواء خلقها من ضلع من أضلاعه
[ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ] أي وأوجد لكم من الأنعام المأكولة وهي ( الإبل، والبقر، والغنم، والمعز) ثمانية أزواج، من كل نوع ذكرا وأنثى، قال قتادة : من الإبل إثنين، ومن البقر إثنين، ومن المعز إثنين، ومن الضأن إثنين، كل واحد زوج )، وسميت أزواجا لأن الذكر زوج الأنثى، والأنثى زوج الذكر، قال المفسرون : والإنزال عبارة عن نزول أمره وقضائه، أي خلق وقدر إيجاد هذه الأنعام نعمة للعباد
[ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ] أي يخلقكم في بطون أمهاتكم أطوارا، فإن الإنسان يكون نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، إلى أن يتم خلقه، ثم ينفخ فيه الروح فيصير خلقا آخر
[ في ظلمات ثلاث ] وهي البطن، والرحم، والمشيمة وهو الكيس الذي يغلف الجنين (( يقول سيد قطب في الظلال :" في ظلمات ثلاث " هي ظلمة الكيس الذي يغلف الجنين، وظلمة الرحم الذي يستقر فيه الجنين، وظلمة البطن الذي يستقر فيه الرحم، ويد الله تخلق هذه الخلية الصغيرة، وعين الله ترعى هذه الخليقة وتودعها القدرة على النمو، والقدرة على التطور، والقدرة على الارتقاء، كما قدر لها بارئها " ))..
[ ذلكم الله ربكم ] أي ذلكم الخالق المبدع المصور هو الله رب العالمين، ربكم ورب آبائكم الأولين
[ له الملك ] أي له الملك والتصرف التام، في الإيجاد والإعدام
[ لا اله إلا هو ] أي لا معبود بحق إلا الله ولا رب لكم سواه
[ فأنى تصرفون ] ؟ أي فكيف تنصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره ؟ ثم بعد أن ذكرهم بآياته ونعمه، حذرهم من الكفر والجحود لفضله وإحسانه، فقال سبحانه :
[ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ] أي إن تكفروا أيها الناس، بعدما شاهدتم من آثار قدرته وفنون نعمائه، فإن الله مستغن عنكم وعن إيمانكم وشكركم وعبادتكم
[ ولا يرضى لعباده الكفر ] أي لا يرضى الكفر لأحد من البشر، قال الرازي : أشار تعالى إلى أنه وإن كان لا ينفعه إيمان، ولا يضره كفران، إلا أنه لا يرضى بالكفر، بمعنى أنه لا يمدح صاحبه، ولا يعيبه عليه وإن كان واقعا بمشيئته وقضائه
[ وإن تشكروا يرضه لكم ] أي وإن تشكروا ربكم يرض هذا الشكر منكم، لأجلكم ومنفعتكم، لا لإنتفاعه بطاعتكم، قال أبو السعود : عدم رضائه بكفر عباده لأجل منفعتهم، ودفع مضرتهم، رحمة بهم، لا لتضرره تعالى بذلك، ورضاه بشكرهم لأجلهم ومنفعتهم، لأنه سبب فوزهم بسعادة الدارين، ولهذا فرق بين اللفظين فقال :[ ولا يرضى لعباده الكفر ] وقال هنا :[ يرضه لكم ] لأن المراد بالأول تعميم الحكم، ثم تعليله بكونهم عباده
[ ولا تزر وازرة وزر أخرى ] أي ولا تحمل نفس ذنب نفس أخرى، بل كل يؤاخذ بذنبه
[ ثم إلى ربكم مرجعكم ] أي ثم مرجعكم ومصيركم إليه تعالى
[ فينبئكم بما كنتم تعملون ] أي فيحاسبكم ويجازيكم على أعمالكم
[ إنه عليم بذات الصدور ] أي يعلم ما تكنه السرائر وتخفيه الضمائر، وفيه تهديد وبشارة للمطيع
[ وإذا مس الإنسان ضر ] أي لم إذا أصاب الإنسان الكافر شدة من فقر ومرض، وبلاء