[ دعا ربه منيبا إليه ] أي تضرع إلى ربه في إزالة تلك الشدة مقبلا إليه مخبتا مطيعا
[ ثم إذا خوله نعمة منه ] أي ثم إذا أعطاه نعمة منه، وفرج عنه كربته
[ نسي ما كان يدعوا إليه من قبل ] أي نسي الضر الذى كان يدعو ربه لكشفه، وتمرد وطغى
[ وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله ] أى وجعل لله شركاء في العبادة، ليصد عن دين الله وطاعته
[ قل تمتع بكفرك قليلا ] أمر للتهديد أى تمتع بهذه الحياة الدنيا الفانية، وتلذذ فيها وأنت على كفرك، عمرا قليلا وزمنا يسيرا
[ إنك من أصحاب النار ] أي فمصيرك إلى نار جهنم، وأنت من المخلدين فيها
[ أفمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ] استفهام حذف جوابه لدلالة الكلام عليه، أي هل من هو مطيع عابد في ساعات الليل، يتعبد ربه في صلاته ساجدا وقائما ؟ كمن أشرك بالله وجعل له أندادا ؟ قال القرطبي : بين تعالى أن المؤمن ليس كالكافر الذي مضى ذكره
[ يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه ] أي حال كونه خائفا من عذاب الآخرة، راجيا رحمة ربه وهي الجنة، هل يستوي هذا المؤمن التقي، مع ذلك الكافر الفاجر ؟ لا يستوون عند الله ! ا ثم ضرب تعالى مثلا فقال :
[ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ] ؟ أي هل يتساوى العالم والجاهل ؟ فكما لا يستوي هذان، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي
[ إنما يتذكر أولوا الألباب ] أي إنما يعتبر ويتعظ أصحاب العقول السليمة، قال الأمام الفخر : واعلم أن هذه الآية دالة على أسرار عجيبة، فأولها أنه بدأ فيها بذكر العمل، وختم فيها بذكر العلم، أما العمل فهو القنوت، والسجود، والقيام، وأما العلم ففي قوله :[ هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ] ؟ وهذا يدل على أن كمال الإنسان محصور في هذين المقصودين : فالعمل هو البداية، والعلم والمكاشفة هو النهاية، وفي الكلام حذف تقديره أمن هو قانت كغيره ؟ وإنما حسن هذا الحذف لدلالة الكلام عليه، لأنه تعالى ذكر قبل هذه الآية الكافر، ثم مثل بالذين يعلمون، والذين لا يعلمون، وفيه تنبيه عظيم على فضيلة العلم
[ قل يا عباد الذين أمنوا إتقوا ربكم ] أي قل يا محمد لعبادي المؤمنين، قل لهم أن يجمعوا بين الإيمان وتقوى الرحمن، وهي البعد عن محارم الله، قال المفسرون : نزلت في (جعفر بن أبي طالب ) وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة، والغرض منها التأنيس لهم والتنشيط إلى الهجرة ومعنى التقوى : امتثال الأوامر، وإجتناب النواهي، وكان العبد بذلك يجعل بينه وبين النار وقاية
[ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ] أي لمن أحسن العمل في هذه الدنيا، حسنة عظيمة في الآخرة، وهي الجنة دار الأبرار
[ وأرض الله واسعة ] أي وأرض الله فسيحة، فهاجروا من دار الكفر إلى دار الإيمان، ولا تقيموا في أرض لا تتمكنون فيها من إقامة شعائر الله
[ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ] أي إنما يعطى الصابرون جزاءهم بغير حصر، وبدون عدد أو وزن، قال الأوزاعي : ليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف غرفا
[ قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ] أي قل يا محمد : إني أمرت باخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وإنما خص الله تعالى الرسول بهذا الأمر، لينبه على أن غيره بذلك أحق، فهو كالترغيب للغير
[ وأمرت لأن أكون أول المسلمين ] أي وأمرت أيضا بأن أكون أول المسلمين من هذه الأمة، قال القرطبي : وكذلك كان، فإنه أول من خالف دين آبائه، وخلع الأصنام وحطمها، وأسلم وجهه لله، وآمن به ودعا إليه