[ قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ] أي وأخاف إن عصيت أمره أن يعذبني يوم القيامة بنار جهنم ! ! والمقصود منها زجر الغير عن المعاصي، لأنه (ص) إذا كان خائفا، مع كمال طهارته وعصمته، فغيره أولى، وذلك سنة الأنبياء والصالحين، حيث يخبرون غيرهم بما اتصفوا به ليكونوا مثلهم
[ قل الله أعبد مخلصا له ديني ] أي قل لهم يا محمد لا أعبد إلا الله وحده مخلصا له طاعتي وعبادتي، من كل شائبة، وليس هذا بتكرار لأن الأول إخبار بأنه(ص) مأمور بالعبادة والثاني إخبار بخوفه من عذاب الله، إن عصي أمره، والثالث إخبار بامتثاله الأمر مع إفادة الحصر، كأنه يقول : أعبد الله ولا أعبد أحدا سواه
[ فاعبدوا ما شئتم من دونه ] صيغة أمر على جهة التهديد والوعيد، أي اعبدوا ما شئتم من دون الله من الأوثان والأصنام، فسوف ترون عاقبة كفركم وضلالكم ؟ كقوله تعالى :[ اعملوا ما شئتم ]
[ قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ] أى حقيقة الخسران الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، حيث صاروا إلى نار مؤبدة، يصلون سعيرها يوم القيامة، فهؤلاء هم الخاسرون كل الخسران، قال ابن عباس : إن لكل رجل منزلا وأهلا وخدما في الجنة، فإن أطاع الله أعطي ذلك، وإن كان من أهل النار حرم ذلك، فخسر نفسه وأهله ومنزله
[ ألا ذلك هو الخسران المبين ] أي ألا فانتبهوا أيها القوم. ذلك هو الخسران الواضح، الذي ليس بعده خسران ! قال أبو حيان : بالغ في بيان الخسران بأداة التنبيه " ألا " وبالإشارة إليه " ذلك " وتأكيده بأداة الحصر " هو " وتعريفه بأل ووصفه بأنه بين [ الخسران المبين ] أي الواضح لمن تأمله أدنى تأمل، ثم لما ذكر خسرانهم فى الدنيا، ذكر حالهم ومآلهم في الآخرة فقال سبحانه
[ لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ] أي تغشاهم نار جهنم من فوقهم ومن تحتهم، وتحيط بهم من جميع جوانبهم، ومعنى الظلل : أطباق من نار جهنم، وتسميتها (ظللا) تهكم بهم، لأنها محرقة والظلة تقي من الحر
[ ذلك يخوف الله به عباده ] أي ذلك العذاب الشديد الفظيع، إنما يقصه تعالى ليخوف به عباده، لينزجروا عن المحارم والمآثم
[ يا عباد فاتقون ] أي يا عبادي وأوليائي المؤمنين، خافوا عذابي، ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي، قال الزمخشرى : وهذه عظة من الله تعالى لعباده ونصيحة بالغة.. والحكمة من ذكر أحوال النار تخويف المؤمنين منها، ليتقوها بطاعة ربهم
[ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ] لما ذكر وعيد عبدة الأوثان، ذكر وعد أهل الفضل والإحسان، ممن احترز عن الشرك والعصيان، ليكون الوعد مقرونا بالوعيد، فيحصل كمال الترغيب والترهيب، والمعنى : والذين انتهوا عن عبادة الأوثان وطاعة الشيطان، وتباعدوا عنها كل البعد، قال أبو السعود :(الطاغوت ) البالغ أقصى غاية الطغيان، كالرحموت والعظموت، والمراد به الشيطان وصف به للمبالغة
[ وأنابوا إلى الله ] أي رجعوا إلى طاعة الله وعبادته
[ لهم البشرى ] أي لهم البشرى السارة من الله تعالى، بالفوز العظيم بجنات النعيم
[ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ] أي فبشر عبادي المتقين، الذين يستمعون الحديث والكلام، فيتبعون أحسن ما فيه، قال ابن عباس : هو الرجل يسمع الحسن والقبيح، فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به.. وهذا ثناء من الله تعالى عليهم بنفوذ بصائرهم، وتمييزهم الأحسن من الكلام، فإذا سمعوا قولا تبصروه، وعملوا بما فيه، وأحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وإنما وضع الظاهر [ فبشر عباد ] بدل الضمير " فبشرهم " تشريفا لهم، وتكريما بالإضافة إليه سبحانه