[ أولئك الذين هداهم الله ] أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة، هم الذين هداهم الله لما يرضاه، ووفقهم لنيل رضاه
[ وأولئك هم أولوا الألباب ] أي وأولئك هم أصحاب العقول السليمة، والفطر المستقيمة
[ أفمن حق عليه كلمة العذاب ] أي أفمن وجبت له الشقاوة من الله تعالى، وجوابه محذوف دل عليه ما بعده، أي هل تقدر على هدايته ؟ لا ثم قال تعالى
[ أفأنت تنقذ من في النار ] ؟ أي هل تستطيع يا محمد أن تنقذ من هو في الضلال والهلاك ؟ قال القرطبي : كان النبي(ص) يحرص على إيمان قومه، وقد سبقت لهم من الله الشقاوة، فنزلت الآية، وقال ابن عباس : يريد " أبا لهب "، وولده ومن تخلف من عشيرة النبي(ص)، عن الإيمان، وكرر الاستفهام " أفأنت " ؟ تأكيدا لطول الكلام، والمعنى : أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه ؟
[ لكن الذين اتقوا ربهم ] أي لكن المؤمنون الأبرار، المتقون لله في الدنيا، المتمسكون بشريعته وطاعته
[ لهم غرف من فوقها غرف مبنية ] أي لهم في الجنة درجات عالية، وقصور شاهقة، بعضها فوق بعض، مبنية من زبرجد وياقوت
[ تجرى من تحتها الأنهار ] أي تجري من تحت قصورها وأشجارها أنهار الجنة، من غير أخدود
[ وعد الله لا يخلف الله الميعاد ] أي وعدهم الله بذلك وعدا مؤكدا، لا يمكن أن يتخلف، لأنه وعد العزيز القدير، الذي لا يخلف الوعد.
تنبيه :
قال الزمخشري : أفاد قوله تعالى :[ يستمعون القول فيتبعون أحسنه ] إن المؤمنين ينبغي أن يكونوا نقادا في الدين، يميزون بين الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل، ويدخل تحته المذاهب واختيار أثبتها دليلا، وأبينها إمارة، وألا يكونوا في مذهبهم كما قال القائل :" ولا تكن مثل غير قيد فانقادا ".
قال الله تعالى :[ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع.. ] إلى قوله [ عند ربكم تختصمون ]. من آية ( ٢١) إلى نهاية آية ( ٣١).
المناسبة :
لما ذكر تعالى أحوال المشركين وضلالاتهم في عبادة غير الله، أردفه بذكر دلائل الوحدانية، ثم ذكر القرآن العظيم أشرف الكتب السماوية المنزلة، فأشاد بذكره، ومع إقرارهم بفصاحته وإعجازه، كذب به المكذبون، ثم ضرب للمشرك والموحد مثلا في غاية الوضوح والبيان !
اللغة :
[ سلكه ] أدخله
[ ينابيع ] جمع ينبوع وهو عين الماء النابع من الأرض
[ يهيج ] ييبس، قال الأصمعي : هاجت الأرض تهيج إذا أدبر نبتها وولي، وقال الجوهري : هاج النبت هياجا إذا يبس، وأرض هائجة إذا يبس بقلها أو اصفر
[ حطاما ] فتاتا وهشيما، من تحطم العود إذا تفتت من اليبس
[ شرح ] فتح ووسع
[ قاسية ] قسا القلب : إذا صلب وكذلك عتا وعسا، وقلب قاسى أي صلب لا يرق ولا يلين
[ مثاني ] مكررا فيه الحكم والمواعظ والأمثال
[ تقشعر ] تضطرب وتتحرك من الخوف
[ الخزي ] الذل والهوان
[ متشاكسون ] متنازعون ومختلفون، ورجل شكى : شرس الخلق والطباع.
التفسير :
[ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ] أي ألم تر أيها الإنسان العاقل، أن الله بقدرته أنزل المطر من السحاب
[ فسلكه ينابيع في الأرض ] أي أدخله مسالك وعيونا في الأرض، وأجراه فيها، قال المفسرون : وهذا دليل على أن ماء العيون من المطر، تحبسه الأرض ثم ينبع شيئا فشيئا، قال ابن عباس : ليس في الأرض ماء إلا نزل من السماء، ولكن عروق في الأرض تغيره
[ ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ] أي ثم يخرج بهذا الماء النازل من السماء والنابع من الأرض، أنواع الزروع، المختلفة الأشكال، والألوان، من أحمر وأبيض وأصفر، والمختلفة الأصناف من قمح، وأرز، وعدس، وغير ذلك، قال البيضاوي :[ مختلفا ألوانه ] أي أصنافه من بر وشعير وغيرهما، أو كيفياته من خضرة وحمرة وغيرهما
[ ثم يهيج فتراه مصفرا ] أي ثم ييبس فتراه بعد خضرته مصفرا