[ ثم يجعله حطاما ] أي ثم يصبح فتاتا وهشيما متكسرا
[ إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ] أي إن فيما ذكر لعظة وعبرة، ودلالة على قدرة الله ووحدانيته، لذوي العقول المستنيرة.. والآية فيها تمثيل لحياة الإنسان بالحياة الدنيا، فمهما طال عمر الإنسان، فلابد من الإنتهاء، إلى أن يصير مصفر اللون، متحطم الأعضاء، متكسرا كالزرع بعد نضرته، ثم تكون عاقبته الموت، قال ابن كثير : هكذا الدنيا تكون خضرة نضرة حسناء، ثم تعود عجوزا شوهاء، وكذلك الشاب يعود شيخا هرما، كبيرا ضعيفا، وبعد ذلك كله الموت، فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير
[ أفمن شرح الله صدره للإسلام ] أي وسع صدره للإسلام، واستضاء قلبه بنوره، حتى ثبت ورسخ فيه
[ فهو على نور من ربه ] أي فهو على بصيرة ويقين من أمر دينه، وعلى هدي من ربه بتنوير الحق في قلبه، وفي الآية محذوف دل عليه سياق الكلام، تفسيره : كمن هو أعمى القلب، معرض عن الإسلام ؟ قال الطبري : وترك الجواب اجتراء بمعرفة السامعين، وبدلالة ما بعده، وتقديره : كمن أقسى الله قلبه وأخلاه من ذكره، حتى ضاق عن استماع الحق، واتباع الهدى ؟
[ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ] أي فويل للذين لا تلين قلوبهم، ولا تخشع عند ذكر الله، والمراد ب " ذكر الله " القرآن الذي نزله الله تذكرة لعباده
[ أولئك في ضلال مبين ] أي أولئك الذين قست قلوبهم، في بعد عن الحق ظاهر.. ولما بين تعالى ذلك أردفه بما يدل على أن القرآن، سبب لحصول النور والهداية والشفاء، فقال سبحانه :
[ الله نزل أحسن الحديث ] أى الله نزل القرآن العظيم أحسن الكلام، قال أبو حيان : والابتداء باسم " الله " وإسناد " نزل " لضميره، فيه تفخيم للمنزل، ورفع من قدره كما تقول : الملك أكرم فلانا، فإنه أفخم من أكرم الملك فلانا، وحكمة ذلك البداءة
[ كتابا متشابها ] أي قرآنا متشابها يشبه بعضه بعضا في الفصاحة، والبلاغة، والتناسب، بدون تعارض ولا تناقض
[ مثاني ] أي تثني وتكرر فيه المواعظ والأحكام، والحلال والحرام، وتردد فيه القصص والأخبار، دون سأم أو ملل، قال الطبري : تثنى - أي تكرر - فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والحجج
[ تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ] أي تعترى هؤلاء المؤمنين خشية، وتأخذهم قشعريرة عند تلاوة آيات القرآن، هيبة من الرحمن، إجلالا لكلامه
[ ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ] أي تطمئن وتسكن قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله، قال المفسرون : إنهم عند سماع آيات الرحمة والإحسان، تلين جلودهم وقلوبهم، فإذا نظروا إلى عالم الجلال طاشوا، وإن لاح لهم أثر من عالم الجمال عاشوا. قال ابن كثير : هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار، إذا قرءوا آيات الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، تقشعر جلودهم من الخشية والخوف، وإذا قرءوا آيات الرحمة لانت جلودهم وقلوبهم، لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفة
[ ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ] أي ذلك القرآن الذي تلك صفته، هو هدى الله يهدي به من شاء من خلقه
[ ومن يضلل الله فما له من هاد ] أي ومن يخذله الله فيجعل قلبه قاسيا مظلما، فليس له مرشد ولا هاد بعد الله
[ أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ] أي أفمن يجعل وجهه وقاية من عذاب جهنم الشديد، وخبره محذوف تقديره : كمن هو آمن من العذاب ؟ قال المفسرون : الوجه أشرف الأعضاء، فإذا وقع الإنسان في شيء من المخاوف، فإنه يجعل يده وقاية لوجهه، وأيدي الكفار مغلولة يوم القيامة، فإذا ألقوا فى النار، لم يجدوا شيئا يتقونها به إلا وجوههم
[ وقبل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون ] أي وتقول خزنة جهنم للكافرين : ذوقوا وبال ما كنتم تكسبونه في الدنيا من الكفر والمعاصي