[ كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ] أي كذب من قبلهم من الأمم السالفة، فأتاهم العذاب من جهة لا تخطر ببالهم
[ فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ] أي فأذاقهم الله الذل والصغار والهوان في الدنيا
[ ولعذاب الآخرة أكبر ] أي ولعذاب الآخرة الذي أعد لهم، أعظم بكثير من عذاب الدنيا
[ لو كانوا يعلمون ] أي لو كان عندهم علم وفهم ما كذبوا
[ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ] أي ولقد بينا ووضحنا للناس في هذا القرآن، من كل الأمثال النافعة، والأخبار الواضحة، ما يحتاجون إليه
[ لعلهم يتذكرون ] أي لعلهم يتعظون ويعتبرون بتلك الأمثال والزواجر
[ قرآنا عربيا غير ذي عوج ] أي حال كونه قرآنا عربيا لا إختلاف فيه بوجه من الوجوه، ولا تعارض ولا تناقض
[ لعلهم يتقون ] أي لكي يتقوا الله ويجتنبوا محارمه.. ثم ذكر تعالى مثلا لمن يشرك بالله، ولمن يوحده فقال سبحانه :
[ ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ] أي ضرب الله لكم أيها الناس هذا المثل : رجل من العبيد المماليك، اشترك فيه ملاك سيئو الأخلاق، بينهم اختلاف وتنازع، يتجاذبونه في حوائجهم، هذا يأمره بأمر، وذاك يأمره بمخالفته، وهو متحير موزع القلب، لا يدري لمن يرضي ؟
[ ورجلا سلما لرجل ] هذا من تتمة المثل، أي ورجلا آخر لا يملكه إلا شخص واحد، حسن الأخلاق، فهو عبد مملوك لسيد واحد، يخدمه بإخلاص، وبتفانى في خدمته، ولا يلقى من سيده إلا إحسانا
[ هل يستويان مثلا ] أي هل يستوي هذا وهذا في حسن الحال، وراحة البال ؟ فكذلك لا يتساوى المؤمن الموحد مع المشرك الذي يعبد آلهة شتى. قال ابن عباس : هذه الآية ضربت مثلا للمشرك والمخلص وقال الرازي : وهذا مثل ضرب في غاية الحسن في تقبيح الشرك، وتحسين التوحيد
[ الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ] لما كان المثل بينا واضحا في غاية الجلاء والوضوح، ختم الله به الآية، والمعنى : الحمد لله على إقامة الحجة عليهم، بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون الحق، فهم لفرط جهلهم يشركون بالله
[ إنك ميت وإنهم ميتون ] أي إنك يا محمد ستموت كما يموت هؤلاء، ولا يخلد أحد في هذه الدار
[ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ] أي ثم تجتمعون عند الله في الدار الآخرة، وتختصمون فيما وقع بينكم من المظالم، وأمر الدنيا والدين، ويفصل بينكم أحكم الحاكمين، الحكم العدل الذي لا يظلم عنده أحد! !.
قال الله تعالى :[ فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق.. ] إلى قوله [ لآيات لقوم يؤمنون ]. من آية (٣٢) إلى نهاية آية (٥٢).
المناسبة :
لما ذكر تعالى أن الخلق صائرون إلى الموت، وأن المؤمنين والكافرين سيختصمون عند ربهم، في أمر التوحيد والشرك، وإنه تعالى يفصل بينهم، ذكر هنا جزاء كل من الفريقين، ثم أتبعه بذكر قبائح المشركين وإعتدادهم بشفاعة الأوثان والأصنام.
اللغة :
[ مثوى ] مأوى ومقام، مشتق من ثوى بالمكان إذا أقام به
[ يخزيه ] يهينه ويذله
[ اشمأزت ] نفرت وانقبضت
[ فاطر ] خالق ومبدع
[ يحتسبون ] يظنون ويؤملون، يقال : جاءه الأمر من حيث لا يحتسب أي من حيث لا يظن
[ ساق ] نزل وأحاط من كل جانب
[ خولناه ] منحناه وأعطيناه تفضلا وكرما
[ معجزين ] فائتين من العذاب
[ يقدر ] يضيق ويقتر على عباده، حسب الحكمة والمشيئة.
التفسير :
[ فمن أظلم ممن كذب على الله ] الاستفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله بنسبة الشريك له والولد
[ وكذب بالصدق إذ جاءه ] أي وكذب بالقرآن والشريعة، وقت مجيئه من غير تدبر، ولا تأمل ؟ أي لا أحد أظلم ممن حاله ذلك، فإنه أظلم من كل ظالم