[ أم إتخذوا من دون الله شفعاء ] أم للإضراب أي لم يتفكروا، بل إتخذوا لهم شفعاء من الأوثان والأصنام، فانظر إلى فرط جهالتهم، حيث اتخذوا من لا يملك شيئا أصلا، شفعاء لهم عند الله، قال ابن كثير : هذا ذم للمشركين في اتخاذهم شفعاء من دون الله - وهي الأصنام - والأوثان التي اتخذوها من تلقاء أنفسهم، بلا دليل ولا برهان، وهي لا تملك شيئا من الأمر، وليس لها عقل تعقل به، ولا سمع تسمع به، ولا بصر تبصر به، بل هي جمادات أسوا حالا بكثير من الحيوانات
[ قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ] الاستفهام توبيخى، أي قل لهم يا محمد : أتتخذونهم شفعاء، ولو كانوا على هذه الصفة ؟ جمادات لا تقدر على شيء، ولا عقل لها ولا شعور ؟
[ قل لله الشفاعة جميعا ] أي قل لهم : الشفاعة لله وحده، لا يملكها أحد إلا الله تعالى، ولا يستطيع أحد أن يشفع إلا باذنه
[ له ملك السموات والأرض ] أي هو المتصرف في الملك والملكوت، قال البيضاوي : أي هو تعالى مالك الملك كله، لا يملك أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه ورضاه
[ ثم إليه ترجعون ] أي ثم مصيركم إليه يوم القيامة، فيحكم بينكم بعدله، ويجازي كلا بعمله.. ثم ذكر تعالى نوعا آخر من أفعالهم القبيحة فقال :
[ وإذا ذكر الله وحده ] أي وإذا أفرد الله بالذكر، ولم يذكر معه آلهتهم، وقيل أمام المشركين : لا إله إلا الله
[ إشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ] أي نفرت وإنقبضت، من شدة الكراهة قلوب هؤلاء المشركين
[ وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ] أي وإذا ذكرت الأوثان والأصنام، إذا هم يفرحون ويسرون، قال الأمام الفخر : هذا نوع آخر من قبائح المشركين، فإنك إذا ذكرت الله وحده وقلت :(لا إله إلا الله وحده لا شريك له )، ظهرت آثار النفرة من وجوههم وقلوبهم، وإذا ذكرت الأصنام والأوثان، ظهرت آثار الفرح والبشارة في قلوبهم وصدورهم، وذلك يدل على الجهل والحماقة، لأن ذكر الله رأس السعادات، وعنوان الخيرات، وذكر الأصنام الجمادات، رأس الجهالات والحماقات، فنفرتهم عن ذكر الله، واستبشارهم بذكر الأصنام، من أقوى الدلائل على الجهل الغليظ، والحمق الشديد
[ قل اللهم فاطر السموات والأرض ] أي قل : يا الله، يا خالق ومبدع السموات والأرض
[ عالم الغيب والشهادة ] أي يا عالم السر والعلانية، يا من لا تخفى عليه خافية، مما هو غائب عن الأعين أو مشاهد بالأبصار
[ أنت تحكم ببن عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ] أي أنت تفصل بين الخلائق، بعدلك وقضائك، فافصل بينى وبين هؤلاء المشركين، قال في البحر : لما أخبر عن سخافة عقولهم باشمئزازهم من ذكر الله، واستبشارهم بذكر الأصنام، أمر رسوله أن يدعوه بأسمائه العظمى، من القدرة والعلم، ليفصل بينه وبين أعدائه، وفي ذلك وعيد للمشركين، وتسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، وقال الصاوي : أي إلتجئ إلى ربك بالدعاء والتضرع، فإنه القادر على كل شيء
[ ولو أن للذين ظلموا ] أي ولو أن لهؤلاء المشركين، الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب القرآن والرسول
[ ما في الأرض جميعا ومثله معه ] أي لو ملكوا كل ما في الأرض من أموال، وملكوا مثل ذلك معه
[ لإفتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة ] أي لجعلوا كل ما لديهم من أموال وذخائر، فدية لأنفسهم من ذلك العقاب الشديد يوم القيامة
[ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ] أي وظهر له من أنواع العقوبات، ما لم يكن في حسابهم، قال أبو السعود : وهذه غاية من الوعيد لا غاية وراءها، ونظيرها في الوعد [ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ]
[ وبدا لهم سيئات ما كسبوا ] أي وظهر لهم في ذلك اليوم المفزع، سيئات أعمالهم التي اكتسبوها