[ وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ] أي وأحاط ونزل بهم من كل الجوانب، جزاء ما كانوا يستهزئون به، قال ابن كثير : أي أحاط بهم من العذاب والنكال، ما كانوا يستهزئون به في الدنيا
[ فإذا مس الإنسان ضر دعانا ] أي فإذا أصاب هذا الإنسان الكافر شئ من الشدة والبلاء، تضرع إلى الله وأناب إليه
[ ثم إذا خولناه نعمة منا ] أي ثم إذا أعطيناه نعمة منا تفضلا عليه وكرما
[ قال إنما أوتيته على علم ] أي قال ذلك الإنسان الكافر الجاحد : إنما أعطيته على علم مني بوجوه المكاسب والمتاجر
[ بل هي فتنة ] أي ليس الأمر كما زعم، بل هي اختبار وامتحان له، لنختبره فيما أنعمنا عليه أيطيع أم يعصي ؟
[ ولكن أكثرهم لا يعلمون ] أي ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن إعطاءهم المال، اختبار وابتلاء فلذلك يبطرون
[ قد قالها الذين من قبلهم ] أي قال تلك الكلمة والمقالة الكفار قبلهم، كقارون وغيره حيث قال :[ إنما أوتيته على علم عندى ]
[ فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ] أي فما نفعهم ما جمعوه من الأموال، ولا ما حسبوه من الحطام
[ فأصابهم سيئات ما كسبوا ] أي فنالهم جزاء أعمالهم السيئة
[ والذين ظلموا من هؤلاء ] أي والذين ظلموا من هؤلاء المشركين كفار قريش.
[ سيصيبهم سيئات ما كسبوا ] أي سينالهم جزاء أعمالهم القبيحة كما أصاب أولئك، قال البيضاوي : وقد أصابهم ذلك فإنهم قد قحطوا سبع سنين، حتى أكلوا الجيف، وقتل ببدر صناديدهم
[ وما هم بمعجزين ] أي وليسوا بفائتين من عذابنا، لا يعجزوننا هربا، ولا يفوتوننا طلبا! ! ثم رد تعالى عليهم زعمهم فيما أوتوا من المال وسعة الحال، فقال :
[ أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ] ؟ أي أولم يعلم هؤلاء المشركون، أن الله يوسع الرزق على قوم، ويضيقه على آخرين ؟ فليس أمر الرزق تابعا لذكاء الإنسان أو غبائه، إنما هو نابع للقسمة والحكمة
[ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ] أي إن في الذي ذكر، لعبرة وحججا لقوم يصدقون بآيات الله، وخص المؤمن بالذكر، لأنه هو الذي يتدبر الآيات وينتفع بها، ويعلم أن سعة الرزق قد يكون استدراجا، وأن تقتيره قد يكون إعظاما
قال الله تعالى :[ قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم.. ] إلى قوله [ وقيل الحمد لله رب العالمين ]. من آية (٥٣) إلى آية (٧٥) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى أحوال الفجرة المشركين، وذكر ما يكونون عليه في الآخرة من الذل والهوان، دعا المؤمنين إلى الإنابة والتوبة قبل فوات الأوان، وختم السورة بذكر عظمة الله وجلاله يوم الحشر الأكبر، حيث يكون العدل الإلهي والقسطاس المستقيم، ويساق السعداء إلى الجنة زمرا، والأشقياء إلى النار زمرا [ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا.. ] الآية.
اللغه :
[ بغتة ] فجأة
[ مثوى ] مكان إقامة يقال : ثوى بالمكان أقام فيه
[ مقاليد ] خزائن ومفاتيح
[ زمرا ] جماعات جماعات جمع زمرة وهي الجماعة
[ خزنتها ] حراسها الموكلون عليها
[ نتبوأ ] تبوأ المكان حل ونزل فيه
[ حافين ] محيطين به من أطرافه وجهاته.
التفسير :
[ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ] بشر يا أيها الرسول عبادي المؤمنين، الذين أفرطوا في الجناية على أنفسهم بالمعاصي والآثام، وقل لهم :
[ لا تقنطوا من رحمة الله ] أي لا تيأسوا من مغفرة الله ورحمته
[ إن الله يغفر الذنوب جميعا ] أي إنه تعالى يعفو عن جميع الذنوب لمن شاء، وإن كانت مثل زبد البحر