[ إنه هو الغفور الرحيم ] أي عظيم المغفرة، واسع الرحمة، وظاهر الآية أنها دعوة للمؤمنين إلى عدم اليأس من رحمة الله لقوله :[ قل يا عبادي ] وقال ابن كثير : هي دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا، لمن تاب منها ورجع عنها مهما كثرت
[ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ] أي ارجعوا إلى الله واستسلموا له، بالطاعة والخضوع ؟ والعمل الصالح
[ من قبل أن يأتيكم العذاب ] من قبل حلول نقمته تعالى بكم
[ ثم لا تنصرون ] أي ثم لا تجدون من يمنعكم من عذابه
[ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ] أي اتبعوا القرآن العظيم، بامتثال أوامره، واجتناب نواهية، والزموا أحسن كتاب أنزل إليكم فيه سعادتكم وفلاحكم
[ من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ] أي من قبل أن ينزل بكم، العذاب فجأة، وأنتم غافون، لا تدرون بمجيئه لتتداركوا وتتأهبوا
[ أن تقول نفس ] أي لئلا تقول بعض النفوس التي أسرفت في العصيان
[ يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ] أي يا حسرتي وندامتي على تفريطي وتقصيري في طاعة الله وفي حقه، قال مجاهد : يا حسرتا على ما ضيعت من أمر الله
[ وإن كنت لمن الساخرين ] أي وإن حسرتي ولهفتى أننى كنت من المستهزئين بشريعة الله ودينه، قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها
[ أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ] أي يقول الكافر والفاجر : لو إن الله هداني لاهتديت إلى الحق، وأطعت الله، وكنت من عباده الصالحين، قال ابن كثير : يتحسر المجرم ويود لو كان من المحسنين المخلصين، المطيعين لله عز وجل
[ أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ] أي تقول تلك النفس الفاجرة، حين مشاهدتها العذاب، لو أن لي رجعة إلى الدنيا لأعمل بطاعة الله، وأحسن سيرتي وعملي
[ بلى قد جاءتك آياتي ] هو جواب قوله :[ لو أن الله هداني ] والمعنى : بلى قد جاءك الهدى من الله، بإرساله الرسل، وإنزاله الكتب
[ فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ] أي فكذبت بالآيات، وتكبرت عن الإيمان، وكنت من الجاحدين، قال الصاوي : إن الكافر أولا يتحسر، ثم يحتج بحجج واهية، ثم يتمنى الرجوع إلى الدنيا، ولو رد لعاد إلى ضلاله كما قال تعالى :[ ولو ردروا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ]
[ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ] أي ويوم القيامة ترى أيها المخاطب الذين كذبوا على الله، بنسبة الشريك له والولد، وجوههم سوداء مظلمة، بكذبهم وإفترائهم
[ أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ] استفهام تقريري أي أليس في جهنم مقام ومأوى للمستكبرين عن الإيمان، وعن طاعة الرحمن ؟ بلى إن لهم منزلا ومأوى في دار الجحيم ! ! ولما ذكر حال الكاذبين على الله، ذكر حال المتقين لله، فقال سبحانه :
[ وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم ] أي وينجي الله المتقين، بسبب سعادتهم وفوزهم بمطلوبهم، وهو الجنة دار الأبرار
[ لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ] أي لا ينالهم هلع ولا جزع، ولا هم يحزنون في الآخرة، بل هم آمنون [ في مقعد صدق عند مليك مقتدر ] ثم عاد إلى دلائل الألوهية والتوحيد، بعد أن أفاض فى الوعد والوعيد، فقال سبحانه :
[ الله خالق كل شيء ] أي الله جل وعلا خالق جميع الأشياء، وموجد جميع المخلوقات، والمتصرف فيها كيف يشاء، لا إله غيره، ولا رب سواه
[ وهو على كل شئ وكيل ] أي هو القائم بتدبير كل شيء
[ له مقاليد السموات والأرض ] أي بيده جل وعلا مفاتيح خزائن كل الأشياء، لا يملك أمرها، ولا يتصرف فيها غيره، قال ابن عباس :" مقاليد " مفاتيح، وقال السدي : خزائن السموات والأرض بيده