[ ويؤتون الزكاة ] أى يدفعونها إلى مستحقيها، طيبة بها نفوسهم، ابتغاء مرضاة الله
[ وهم بالآخرة هم يوقنون ] أى يصذقون بالدار الآخرة ويعتقدون بها اعتقادا جازما، لا يخالطه شك ولا ارتياب، وكرر الضمير " هم " للتأكيد لإفادة الحصر
[ أولئك على هدى من ربهم ] أى أولئك الموصوفون بتلك الصفات الجليلة، على نور وبصيرة، ومنهج واضح سديد، من الله العزيز الحميد
[ وأولئك هم المفلحون ] أى هم الفائزون السعداء في الدنيا والآخرة، قال أبو حيان : وكرر الإشارة [ وأولئك ] تنبيها على عظم قدرهم وفضلهم.. ولما ذكر تعالى حال السعداء، الذين اهتدوا بكتاب الله، وانتفعوا بسماعه، عطف عليهم بذكر حال الأشقياء، الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع الغناء والمزامير فقال سبحانه :
[ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ] أي ومن الناس من يشتري ما يلهي عن طاعة الله، ويصد عن سبيله، مما لا خير ولا فائدة فيه، قال الزمخشري : واللهو كل باطل ألهى عن الخير، نحو السمر بالأساطير، والتحدث بالخرافات المضحكة، وفضول الكلام، وما لا ينبغي، وروى ابن جرير عن (عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه أنه سئل عن الآية فقال : والله الذى لا إله إلا هو- يكررها ثلاثا - إنما هو الغناء، وقال الحسن البصرى : نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير
[ ليضل عن سبيل الله بغيرعلم ] أى ليضل الناس عن طريق الهدى، ويبعدهم عن دينه القويم، بغير حجة ولا برهان
[ ويتخدها هزوا ] أى ويتخذ آيات الكتاب المجيد، سخرية واستهزاء، وهذا أدخل فى القبح، وأعرق في الضلال
[ أولئك لهم عذاب مهين ] أى لهم عذاب شديد مع الذلة والهوان
[ وإذا تتلى عليه آياتنا ] أى وإذا قرأت عليه آيات القرآن
[ ولى مستكبرا كأن لم يسمعها ] أى أعرض وأدبر متكبرا عنها، كأنه لم يسمعها، شأن المتكبر الذي لا يلتفت إلى الكلام، ويجعل نفسه كأنها غافلة
[ كأن فى أذنيه وقرا ] أى كأن في أذنيه ثقلا وصمما، يمنعانه عن استماع آيات الله
[ فبشره بعذاب أليم ] أى أنذره يا محمد بعذاب مؤلم، مفرط في الشدة والإيلام ! ! ووضع البشارة مكان الإنذار للتهكهم والسخرية، قال في البحر : تضمنت هذه الآية ذم المشتري من وجوه : الإعراض عن الحكمة، ثم الإستكبار عن الحق، ثم عدم الالتفات إلى سماع الآيات، ثم الإيغال في الإعراض مشبها حال من لم يسمعها، لكونه لا يلقي لها بالا ولا يلتفت إليها، ثم التهكم به بالبشارة بأشد العذاب.. ولما ذكر ما وعد به الكفار من العذاب الأليم، ذكر ما وعد به المؤمنين من جنات النعيم، فقال سبحانه
[ إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات ] أى جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، وبين حسن النية وإخلاص العمل
[ لهم جنات النعيم ] أى لهم على إيمانهم واستقامتهم على شريعة الله، جنات الخلد يتنعمون فيها بأنواع الملاذ، من المآكل، والمشارب، والملابس، والحور العين، وسائر ما أكرمهم الله به من الفضل والإنعام، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر
[ خالدين فيها ] أى دائمين في تلك الجنات، لا يخرجون منها أبدا، ولا يبغون عنها حولا
[ وعد الله حقا ] أى وعدا من الله قاطعا، كائنا لا محالة، لا خوف فيه، لأن الله لا يخلف الميعاد
[ وهو العزيز الحكيم ] أى هو تعالى العزيز الذي لا يغلبه شيء، ليمنعه عن إنجاز وعده، الحكيم الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.. ثم نبه تعالى إلى دلائل قدرته، وآثار عظمته وجلاله، لإقامة البراهين على وحدانيته، فقال سبحانه


الصفحة التالية
Icon