[ وإن الآخرة هي دار القرار ] أي إن الدار الآخرة هي دار الاستقرار والخلود التي لا زوال لها ولا انتقال منها، فإما خلود في النعيم، أو خلود فى الجحيم قال القرطبي : ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان
[ من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ] أي من عمل في هذه الدنيا سيئة، فلا يعاقب في الآخرة إلا بمقدارها دون زيادة، رحمة منه تعالى بالعباد
[ ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ] أي ومن فعل في الدنيا العمل الصالح، سواء كان ذكرا أو أنثى بشرط الإيمان
[ فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ] أي فأولئك المحسنون يدخلون جنات النعيم، ويعطون جزاءهم بغير تقدير، بل أضعافا مضاعفة، فضلا من الله وكرما، فقد اقتضى فضله تعالى أن تضاعف الحسنات دون السيئات، قال ابن كثير :[ بغير حساب ] أي لا يتقدر بجزاء، بل يثيبه الله ثوابا كثيرا عظيما، لا انقضاء له ولا نفاد
[ ويا قوم ما لي ادعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ] ؟ أي ما لي أدعوكم إلى الإيمان الموصل إلى الجنان، وتدعونني إلى الكفر الموصل إلى النار ؟ والاستفهام للتعجب كأنه يقول : أنا أتعجب من حالكم هذه، أدعوكم إلى النجاة والخير، وتدعونني إلى النار والشر ؟ ثم وضح ذلك بقوله
[ تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم ] أي تدعونني للكفر بالله، وأن أعبد ما ليس لي علم بربوبيته، وما ليس بإله فرعون
[ وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ] أي وأنا أدعوكم إلى عبادة الله الواحد الأحد، العزيز الذي لا يغلب، الغفار لذنوب العباد
[ لا جرم أنما تدعونني إليه ] أي حقا إنما تدعرنني لعبادته
[ ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ] أي لا يصلح أن يعبد، لأنه لا يستجيب لنداء داعيه، ولا يقدر على تفريج كربته، لا في الدنيا ولا في الآخرة
[ وأن مردنا إلى الله ] أي وأن مرجعنا إلى الله وحده فيجازي كلا بعمله
[ وأن المسرفين هم أصحاب النار ] أي وأن المسرفين في الضلال والطغيان، سيخلدون في النار
[ فستذكرون ما أقول لكم ] أي فستذكرون صدق كلامي عندما يحل بكم العذاب، وهو تهديد ووعيد
[ وأفوض أمري إلى الله ] أي أتوكل على الله، وأسلم أمري إليه قال القرطبي : وهذا يدل على أنهم هددوه وأرادوا قتله
[ إن الله بصير بالعباد ] أي مطلع على أعمالهم، لا تخفى عليه خافية من أحوالهم
[ فوقاه الله سيئات ما مكروا ] أي فنجاه الله من شدائد مكرهم، ومن أنواع العذاب الذي أرادوا إلحاقه به
[ وحاق بآل فرعون سوء العذاب ] أي ونزل بفرعون وجماعته أسوأ العذاب، وهو الغرق في الدنيا، والحرق في الآخرة، ثم فسره بقوله
[ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ] أي النار يحرقون بها صباحا ومساء قال لمفسرون : المراد بالنار هنا (نار القبر) وعذابهم في القبور بدليل قوله بعده
[ ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ] أي ويوم القيامة يقال للملائكة : أدخلوا فرعون وقومه نار جهنم، التي هي أشد من عذاب الدنيا.
قال الله تعالى :[ وإذ يتحاجون في النار.. ] إلى قوله [ وأمرت أن أسلم لرب العالمين ]. من آية (٤٧ ) إلى نهاية آية (٦٦).
المناسبة :
لما ذكر تعالى ما حل بآل فرعون من العذاب والدمار، ذكر بعده النزاع والخصام الذي يكون بين أهل النار، واستغاثة المجرمين، وهم في عذاب الجحيم، يصلون سعيرها فلا يجابون، ثم ذكر الأدلة والبراهين على قدرة الله ووحدانيته، لإقامة الحجة على المشركين.
اللغة :
[ يتحاجون ] يختصمون
[ خزنة ] جمع خازن وهو المتكفل بحفظ الشيء وحراسته
[ الأشهاد ] جمع شاهد وهو الذي يشهد بالحجة على غيره
[ داخرين ] أذلاء صاغرين
[ تؤفكون ] تصرفون عن الإيمان إلى الكفر
[ قرارا ] مستقرا
[ أسلم ] أذل وأخضع.
التفسير :