[ خلت ] مضت.
التفسير :
[ هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ] هذا بيان للأطوار التي مر بها خلق الإنسان، أي هو جل وعلا بقدرته الذي أوجدكم أيها الناس من العدم، فخلق أصلكم آدم من تراب، ثم خلق ذريته من النطفة وهى المنى، ثم من علقة وهي الدم الغليظ، إلى آخر تلك الأطوار
[ ثم يخرجكم طفلا ] أي ثم بعد أن ينفصل الجنين من بطن الأم يكون طفلا
[ ثم لتبلغوا أشدكم ] أي ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقل، وهو سن الأربعين
[ ثم تكونوا شيوخا ] أي ثم لتصبحوا في سن الهرم والشيخوخة، قال الإمام الفخر : رتب تعالى عمر الإنسان على ثلاث مراتب : الطفولة، وبلوغ الأشد، والشيخوخة، وهذا ترتيب مطابق للعقل، فإن الإنسان في أول عمره يكون في النماء والنشوء، وهو المسمى بالطفولة، إلى أن يبلغ إلى كمال النشوء من غير أن يحصل له ضعف، وهذا بلوغ الأشد، ثم يبدأ بالتراجع ويبدأ فيه الضعف والنقص، وهذه مرتبة الشيخوخة
[ ومنكم من يتوفى من قبل ] أي ومنكم من يتوفى قبل أن يخرج إلى العالم وهو السقط، وقال مجاهد : من قبل سن الشيخوخة
[ ولتبلغوا أجلا مسمى ] أي ولتصلوا إلى الزمان الذي حدد لكل شخص وهو الموت
[ ولعلكم تعقلون ] أي ولكي تعقلوا قدرته تعالى وتؤمنوا بأنه الواحد الأحد
[ هو الذي يحيي ويميت ] أي هو القادر جل وعلا على الإحياء والإماتة
[ فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ] أي فإذا أراد أمرا من الأمور فلا يحتاج إلى تعب وعناء، وإنما يوجد فورا دون تأخير قال أبو السعود : وهذا تمثيل لكمال قدرته، وتصوير لسرعة وجودها من غير أن يكون هناك أمر ومأمور... ثم عاد إلى ذم المجادلين في آيات الله بالباطل، فقال :
[ ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ] الاستفهام للتعجيب أي ألا ترى أيها السامع وتعجب من حال هؤلاء المكابرين ؟ الذين يجادلون في آيات الله الواضحة، كيف تصرف عقولهم عن الهدى إلى الضلال ؟ ثم بينهم بقوله
[ الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا ] أي الذين كذبوا بالقرآن، وبسائر الكتب والشرائع السماوية
[ فسوف يعلمون ] وعيد وتهديد أي سوف يعلمون عاقبة تكذيبهم
[ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل ] أي حين يدخلون النار، وتربط أيديهم إلى أعناقهم بالأغلال والسلاسل
[ يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ] أي يسحبون بتلك السلاسل، في الماء الحار المسخن بنار جهنم، ثم يوقدون ويحرقون فيها قال ابن كثير : ومعنى الآية أن السلاسل متصلة بالأغلال وهي بأيدي الزبانية، يسحبونهم على وجوههم تارة إلى الحميم، وتارة إلى الجحيم كما قال تعالى [ يطوفون بينها وبين حميم أنى ]
[ ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله ] أي ثم قيل لهم تبكيتا : أين هم الأوثان والأصنام التي كنتم تعبدونها وتجعلونها شركاء لله ؟
[ قالوا ضلوا عنا ] أي فيقولون : غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا نستشفع بهم
[ بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا ] أي بل لم نكن نعبد شيئا قال المفسرون : جحدوا عبادتهم، وإنما فعلوا ذلك لحيرتهم واضطرابهم
[ كذلك يضل الله الكافرين ] اي مثل إضلال هؤلاء المكذبين يضل الله كل كافر
[ ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق ] أي ذلكم العذاب بما كنتم تظهرونه في الدنيا، من السرور بالمعصية وكثرة المال، وإنفاقه في المحرمات
[ وبما كنتم تمرحون ] أي وبسبب بطركم وأشركم وخيلائكم قال الصاوي : وهذا وإن كان ذما في الكفار، إلا أنه يجر بذيله على كل من توسع في معاصي الله، فله من هذا الوعيد نصيب
[ آدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ] أي ادخلوا من أبواب جهنم السبعة المقسومة لكم، ماكثين فيهأ أبدا