[ لقوم يعلمون ] أي لقوم يفهمون تفاصيل آياته، ودلائل إعجازه، فإنه في أعلى طبقات البلاغة، ولا يتذوق أسراره إلا من كان عالما بلغة العرب
[ بشيرا ونذيرا ] أي مبشرا للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذرا للكافرين بعذاب الجحيم
[ فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ] أي فأعرض أكثر المشركين عن تدبر آياته، مع كونه نزل بلغتهم، فهم لا يسمعون سماع تفكر وتأمل، قال أبو حيان : المعنى : أعرض أكثر أولئك القوم مع كونهم من أهل العلم، ولكن لم ينظروا النظر التام بل أعرضوا، فهم لإعراضهم لا يسمعون ما احتوى عليه من الحجج والبراهين وقال القرطبي : السورة نزلت تقريعا وتوبيخا لقريش في إعجاز القرآن، فهم لا يسمعون سماعا ينتفعون به، ثم أخبر تعالى عن عتوهم وضلالهم فقال
[ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ] أي وقالوا للرسول (ص) حين دعاهم إلى الإيمان : قلوبنا في أغطية متكاثفة، لا يصل إليها شىء مما تدعونا إليه من التوحيد والإيمان
[ وفي آذاننا وقر ] أي وفي آذاننا صمم وثقل، يمنعنا من فهم ما تقول قال الصاوي : شبهوا أسماعهم بآذان فيها صمم، من حيث إنها تمج الحق، ولا تميل إلى استماعه
[ ومن بيننا وبينك حجاب ] أي وبيننا وبينك يا محمد حاجز يمنع أن يصل إلينا شيء مما تقول، فنحن معذورون في عدم اتباعك، لوجود المانع من جهتنا وجهتك
[ فاعمل إننا عاملون ] أي اعمل أنت على طريقتك، ونحن على طريقتنا، استمر على دينك فإنا مستمرون على ديننا
[ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد ] أي قل يا محمد لأولئك المشركين : لست إلا بشرا مثلكم، خصني الله بالرسالة والوحي، وأنا داع لكم إلى توحيد خالقكم وموجدكم، الذي قامت الأدلة العقلية والشرعية على وحدانيته ووجوده، فلا داعي إلى تكذيبى
[ فاستقيموا إليه واستغفروه ] أي توجهوا إليه بالإستقامة على التوحيد والإيمان، والإخلاص في الأعمال، واسألوه المغفرة لسالف الذنوب
[ وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ] أي دمار وهلاك للمشركين الذين لا يفعلون الخير، ولا يتصدقون ولا ينفقون في طاعة الله قال القرطبي : قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفي الآية دلالة على أن الكافر يعذب بمنع الزكاة مع عذابه على كفره وقال ابن عباس : المراد زكاة الأنفس، والمعنى : لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد، ولا يقولون لا إله إلا الله (( هذا القول ذكره ابن كثير ونسبه لابن عباس أن المراد به طهارة النفس من الشرك وهو قول مرجوح، والصحيح ما ذكره المفسرون أن المراد زكاة المال وهو اختيار ابن جرير والجمهور ))
[ وهم بالآخرة هم كافرون ] أي كفروا بالبعث والنشور، وكذبوا بالحساب والجزاء قال الصاوي : وإنما خص منع الزكاة وقرنه بالكفر بالآخرة، لأن المال شقيق الروح، فإذا بذله الإنسان في سبيل الله، كان دليلا على قوته وثباته في الدين
[ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ] لما ذكر حال الكفار، ووعيدهم، أردفه بذكر حال المؤمنين، وما لهم من الوعد الكريم والمعنى : إن الذين صدقوا الله ورسوله، وجمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، لهم في الآخرة أجر غير مقطوع عند ربهم، بل هو دائم مستمر بدوام الجنة.. ثم ذكر تعالى دلائل قدرته ووحدانيته، فقال سبحانه
[ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ] الإستفهام للتوبيخ والتعجب أي كيف تكفرون بالله وهو الإله العلي الشأن، القادر على كل شيء، خالق الأرض في يومين ؟
[ وتجعلون له أندادا ] أي تجعلون له شركاء وأمثالا تعبدونها معه


الصفحة التالية
Icon