[ ذلك رب العالمين ] أي ذلك الخالق المبدع، هو رب العالمين كلهم، فكيف يجوز جعل الأصنام الخسيسة، شركاء له في الإلهية والمعبودية ؟ قال الصاوى : الإستفهام [ أئنكم ] للإنكار والتشنيع عليهم، والمعنى : أنتم تعلمون أنه لا شريك له في العالم العلوي والسفلي، فكيف تجعلون له شريك ؟
[ وجعل فيها رواسي من فوقها ] أي جعل في الأرض جبالا ثوابت لئلا تضطرب وتتزلزل بالبشر
[ وبارك فيها ] أي أكثر خيرها، بما جعل فيها من المياه، والزروع، والضروع
[ وقدر فيها أقواتها ] أي قدر أرزاق أهلها ومعاشهم قال مجاهد : خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها
[ في أربعة أيام سواء للسائلين ] أي في تمام أربعة أيام كاملة مستوية، بلا زيادة ولا نقصان، للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها
[ ثم استوى إلى السماء وهي دخان ] أي عمد إلى خلقها وقصد إلى تسويتها وهي بهيئة الدخان قال ابن كثير : والمراد بالدخان بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض
[ فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ] أي استجيبا لأمري طائعتين أو مكرهتين
[ قالتا أتينا طائعين ] أي قالت السموات والأرض : أتينا أمرك طائعين قال الزمخشري : وهذا على التمثيل أي أنه تعالى أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع، إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع، والغرض تصوير أثر قدرته في المقدورات من غير أن يكون هناك خطاب وجواب، ومثله قول القائل : قال الحائط للمسمار لم تشقني ؟ قال : سل من يدقني، وروي عن ابن عباس قال : قال الله تعالى للسماء : اطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض : شققي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين " قالتا أتينا أمرك طائعتين " واختاره ابن جرير
[ فقضاهن سبع سموات في يومين ] أي صنعهن وأبدع خلقهن سبع سموات في وقت مقدر بيومين، فتم خلق السموات والأرض في ستة أيام، ولو شاء لخلقهن بلمح البصر، ولكن أراد أن يعلم عباده الحلم والأناة
[ وأوحى في كل سماء أمرها ] أي أوحى في كل سماء ما أراده، وما أمر به فيها قال ابن كثير : أي رتب في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة، وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو
[ وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ] أي وزينا السماء الأولى القريبة منكم، بالكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض، وحرسا من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى
[ ذلك تقدير العزيز العليم ] أي ذلك المذكور من الخلق والإبداع هو صنع الله، العزيز في ملكه، العليم بمصالح خلقه
[ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ] أي فإن أعرضوا عن الإيمان بعد هذا البيان، فقل لهم : إني أخوفكم عذابا هائلا، وهلاكا فظيعا مثل هلاك عاد وثمود، وعبر بالماضي إشارة إلى تحققه وحصوله
[ إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ] أي حين جاءتهم الرسل من كل جوانبهم، واجتهدوا في هدايتهم من كل جهة، وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض
[ ألا تعبدوا إلا الله ] أي بأن لا تعبدوا إلا الله وحده
[ قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ] أي لو شاء ربنا إرسال رسول، لجعله ملكا لا بشرا
[ فإنا بما أرسلتم به كافرون ] أى فإنا كافرون برسالتكم، لا نتبعكم وأنتم بشر مثلنا، وفي قولهم [ بما أرسلتم ] ضرب من التهكم والسخرية برسل الله
[ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ] هذا تفصيل لما حل بعاد وثمود من العذاب، أي فأما عاد فبغوا وعتوا وعصوا، وتكبروا على نبي الله " هود " ومن آمن منهم معه، بغير استحقاق للتعظم والإستعلاء