[ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ] أي دعا إلى توحيد الله وطاعته، بقوله وفعله وحاله وفعل الصالحات، وجعل الإسلام دينه ومذهبه، قال ابن كثير : وهذه الآية عامة في كل من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد وقال الزمخشري : والآية عامة في كل من جمع بين هذه الثلاث : أن يكون مؤمنا، معتقدا لدين الإسلام، عاملا بالخير، داعيا إليه وما هم إلا طبقة العلماء العاملين
[ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ] أى لا يتساوى فعل الحسنة مع فعل السيئة، بل بينهما فرق عظيم، في الجزاء وحسن العاقبة
[ ادفع بالتي هي أحسن ] أي ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن، مثل أن تدفع الغضب بالصبر، والجهل بالحلم، والإساءة بالعفو، قال ابن عباس : ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك
[ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم ] أي فإذا فعلت ذلك صار عدوك كالصديق القريب، الخالص الصداقة في مودته ومحبته لك
[ وما يلقاها إلا الذين صبروا ] أي وما ينال هذه المنزلة الرفيعة والخصلة الحميدة إلا من جاهد نفسه، بكظم الغيظ وإحتمال الأذى
[ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ] أى وما يصل إليها وينالها، إلا ذو نصيب وافر من السعادة والخير
[ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ] أى وإن وسوس إليك الشيطان بترك ما أمرت به، من الدفع بالتي هي أحسن، وأراد أن يحملك على البطش والإنتقام، فاستعذ بالله من كيده وشره
[ إنه هو السميع العليم ] أي هو السميع لأقوال العباد، العليم بأفعالهم وأحوالهم.. ثم ذكر تعالى بعض دلائل قدرته الباهرة وحكمته البالغة، فقال سبحانه
[ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ] أي ومن علاماته الدالة على وحدانيته وقدرته، تعاقب الليل والنهار وتذليل الشمس والقمر، مسخرين لمصالح البشر
[ لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن ] أي لا تسجدوا للمخلوق واسجدوا للخالق، الذي خلق هذه الأشياء وأبدعها
[ إن كنتم إياه تعبدون ] أي إن كنتم تفردونه بالعبادة فلا تسجدوا لأحد سواه
[ فإن استكبروا ] أي فإن استكبر الكفار عن السجود لله
[ فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار ] أي فالملائكة الأبرار بعبدونه بالليل والنهار
[ وهم لا يسأمون ] أي لا يملون عبادته، بل يتلذذون بها على الدوام.
قال الله تعالى :[ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة.. ] إلى قوله [ ألا إنه بكل شىء محيط ]. من آية (٣٩) إلى نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى صفات المؤمنين الأبرار، وأردفها بذكر الدلائل الدالة على وجوده سبحانه ووحدانيته، وكمال علمه وحكمته، ذكر هنا ما يدل على البعث والنشور، من صفحات هذا الكون المنظور، ثم أعقبه بذكر الملحدين في آياته المكذبين برسله وأنبيائه، وختم السورة الكريمة ببيان حال الأشقياء المجرمين، المنكرين للقرآن العظيم، يوم الحساب والجزاء.
اللغة :
[ يلحدون ] يميلون عن الحق والإستقامة، والإلحاد : الميل والعدول يقال : ألحد في دين الله أى حاد عنه وعدل
[ أعجميا ] بلغة العجم
[ وقر ] صمم مانع من سماعه
[ أكمامها ] جمع كم وهو وعاء الثمرة بضم الكاف وكسرها
[ محيص ] فرار ومهرب من حاص يحيص حيصا إذا هرب
[ نأى ] تباعد وأعرض
[ الآفاق ] أقطار السموات والأرض
[ مرية ] شك وارتياب عظيم.
التفسير :
[ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة ] أى ومن البراهين والعلامات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته، أنك ترى الأرض يابسة جرداء لا نبات فيها، تشبه الرجل الخاضع الذليل
[ فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ] أي فإذا أنزلنا عليها المطر، تحركت حركة شديدة، وانتفخت وعلت بالنبات، وأخرجت من جميع ألوان الزروع والثمار