[ أأعجمى وعربى ] ؟ استفهام إنكاري أي أقرآن أعجمى ونبى عربي ؟ قال الرازي : ذكر أن الكفار كانوا يقولون لتعنتهم : هلا نزل القرآن بلغة العجم ؟! فأجيبوا بأن الأمر لو كان كما تقترحون لم تتركوا الإعتراض، ثم قال : والحق عندي أن هذه السورة من أولها إلى آخرها كلام واحد متعلق بعضه ببعض، وقد حكى تعالى عنهم في أول السورة أنهم قالوا [ قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ] فرد تعالى عليهم هنا بأنه لو أنزل هذا القرآن بلغة العجم لكان لهم أن يقولوا : كيف أرسلت الكلام العجمي إلى القوم العرب !! ولصح لهم أن يقولوا [ قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ] لأنا لا نفهمه ولا نحيط بمعناه !! أما وقد نزل بلغة العرب، وهم من أهل هذه اللغة، فكيف يمكنهم أن يقولوا ذلك ؟ فظهر أن الآية على أحسن وجوه النظم (( وهذا الذي ذكره الإمام الفخر هو الأظهر، فإنهم لم يقترحوا أن ينزل بلغة العجم وإنما هو على سبيل الفرض، بدليل ﴿ولو أنزلنا قرآنا أعجميا لقالوا﴾ وهذا الذي رجحناه هو ما ذهب إليه العلامة القرطبي حيث قال في تفسير الآية : المعنى لو جعلنا هذا القرآن بلغة غير العرب لقالوا لولا بينت آياته بلغتنا فإنا عرب لا نفهم الأعجمية، فبين تعالى أنه أنزل بلسانهم ليتقرر به معنى الإعجاز، إذ هم أعلم الناس بأنواع الكلام نظما ونثرا، وإذا عجزوا عن معارضته فذلك أدل دليل على أنه من عند الله ))
[ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ] أي قل لهم يا محمد : إن هذا القرآن هدى للمؤمنين من الضلالة، وشفاء لهم من الجهل والشك والريب
[ والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ] أي والذين لا يصدقون بهذا القرآن، في آذانهم صمم عن سماعه، ولذلك تواصوا باللغو فيه
[ وهو عليهم عمى ] أي وكما أن هذا القرآن رحمة للمؤمنين، هو شقاء وتعاسة على الكافرين، كقوله تعالى [ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ] قال في حاشية البيضاوى : إن القرآن لوضوح آياته، وسطوع براهينه، هاد إلى الحق، ومزيل لريب الشك، وشفاء من داء الجهل، والكفر والإرتياب، ومن إرتاب فيه ولم يؤمن به، فإرتيابه إنما نشأ عن توغله في إتباع الشهوات، وتقاعده عن تفقد ما يسعده وينجيه
[ أولئك ينادون من مكان بعيد ] أي أولئك الكافرون بالقرآن، كمن ينادى من مكان بعيد، فإنه لا يسمع ولا يفهم ما ينادى به، وهذا على سبيل التمثيل قال ابن عباس : يريد مثل البهيمة التي لا تفهم إلا دعاء ونداء
[ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ] أي والله لقد أعطينا موسى التوراة فإختلف فيها قومه ما بين مصدق لها ومكذب، هكذا حال قومك بالنسبة للقرآن قال القرطبي : وهذا تسلية للنبي (ص) أي لا يحزنك إختلاف قومك في كتابك، فقد إختلف من قبلهم في كتابهم، فآمن به قوم وكذب به قوم
[ ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ] أي ولولا أن الله حكم بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة، لعذبهم وأهلكهم في الدنيا
[ وإنهم لفي شك منه مريب ] أي وإن هؤلاء الكفار لفي شك من القرآن، لتبلد عقولهم وعمى بصائرهم، موقع لهم في أشد الريبة والإضطراب
[ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ] أي من عمل شيئا من الصالحات في هذه الدنيا، فإنما يعود نفع ذلك على نفسه، ومن أساء في الدنيا، فإنما يرجع وبال ذلك وضرره عليه
[ وما ربك بظلام للعبيد ] أي وليس الله منسوبا إلى الظلم حتى يعذب بغير إساءة، فهو تعالى لا يعاقب أحدا إلا بذنبه، ولا يؤاخذه إلا بجرمه، قال المفسرون : ليست صيغة " ظلام " هنا للمبالغة، وإنما هي صيغة نسبة مثل عطار، ونجار، وتمار، ولو كانت للمبالغة، لأوهم أنه تعالى ليس كثير الظلم ولكنه يظلم أحيانا، وهذا المعنى فاسد، لأنه يستحيل عليه الظلم جل وعلا