[ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ] أي وما اختلفتم فيه أيها المؤمنون من شيء من أمر الدنيا أو الدين، فالحكم فيه إلى الله جل وعلا، هو الحاكم فيه بكتابه أو بسنة نبيه عليه السلام
[ ذلكم الله ربى ] أي الموصوف بهذه الصفات هو ربي وحده، وليي ومالك أمري فقال القرطبي : وفيه اضمار أي قل لهم يا محمد : ذلكم الذي يحي الموتى، ويحكم بين المختلفين هو ربي
[ عليه توكلت ] أى عليه وحده اعتمدت في جميع أموري
[ وإليه أنيب ] أي وإليه وحده أرجع في كل ما يعرض على من مشكلات ومعضلات، لا إلى أحد سواه قال الرازي : والعبارة تفيد الحصر أي لا أتوكل إلا عليه، ولا أنيب إلا إليه، وهو إشارة إلى تزييف طريقة من اتخذ غير الله وليا.. ثم بين تعالى صفاته الجليلة القدسية، التي هي من آثار ومظاهر الربوبية، فقال سبحانه
[ فاطر السموات والأرض ] أي هو جل وعلا خالقهما ومبدعهما، على غير مثال سابق
[ جعل لكم من أنفسكم أزواجا ] أي أوجد لكم بقدرته من جنسكم نساء من الآدميات
[ ومن الأنعام أزواجا ] أي وخلق لكم كذلك مما تأكلون من الإبل والبقر والضان والماعز أصنافا، ذكورا وإناثا
[ يذرؤكم فيه ] أي يكثركم بسببه بالتوالد، ولولا أنه خلق الذكر والأنثى، لما كان ثمة تناسل ولا توالد
[ ليس كمثله شيء ] أي ليس له تعالى مثيل ولا نظير، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، والغرض : تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين، والكاف هنا لتأكيد النفي أي ليس مثله شيء، قال ابن قتيبة : العرب تقيم المثل مقام النفس، فتقول : مثلي لا يقال له هذا أي أنه لا يقال لي هذا، ومعنى الآية ليس كالله جل وعلا شيء وقال القرطبى : والذي يعتقد في هذا الباب أن الله - جل اسمه - في عظمته وكبريائه، وملكوته، وحسنى أسمائه، لا يشبه شيئا من مخلوقاته، ولا يشبه به أحد، وما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقى، إذ صفات القديم - عز وجل - بخلاف صفات المخلوق، إذ صفاتهم لا تنفك عن الأعراض والأغراض، وهو تعالى منزه عن ذلك، وقد قال بعض المحققين : التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات، ولا معطلة من الصفات، وزاد الواسطى فقال : ليس كذاته ذات، ولا كإسمه اسم، ولا كفعله فعل، وهذا مذهب أهل الحق، أهل السنة والجماعة
[ وهو السميع البصير ] أي وهو تعالى السميع لأقوال العباد، البصير بأفعالهم
[ له مقاليد السموات والأرض ] أي بيده جل وعلا مفاتيح خزائنهما، من المطر والنبات والرزق، وسائر الحاجات
[ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ] أي يوضع الرزق على من يشاء، ويضيق على من يشاء، حسب الحكمة الإلهية
[ إنه بكل شيء عليم ] تعليل لما سبق أي إن علمه تعالى محيط بكل الأشياء، فهو واسع العلم، يعلم إذا كان الغنى خيرا للعبد أو الفقر
[ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحيناه إليك ] أي سن وبين لكم أيها المؤمنون، من االشريعة السمحة والدين الحنيف، ما وصى به الرسل، وأرباب الشرائع من مشاهير الأنبياء، كنوح ومحمد عليهما السلام


الصفحة التالية
Icon