[ وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ] أي وما أمرنا به بطريق الإلزام، إبراهيم وموسى وعيسى من أصول الشرائع والأحكام قال الصاوي : خص هؤلاء بالذكر لأنهم أكابر الأنبياء، وأولوا العزم، وأصحاب الشرائع المعظمة، فلكل واحد من هؤلاء الرسل شرع جديد، وأما من عداهم، فإنما كأن يبعث بتبليغ شرع من قبله، ولم يزل الأمر يتأكد بالرسل، ويتناصر بالأنبياء، واحدا بعد واحد، وشريعة إثر شريعة، حتى ختمها الله بخير الملل، منة أكرم الرسل نبينا محمد (ص)، فتبين أن شرعنا - معشر الأمة المحمدية - قد جمع جميع الشرائع المتقدمة في أصول الاعتقادات، وأصول الأحكام ولهذا قال تعالى
[ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ] أي وصيناهم بأن أقيموا الدين الحق - دين الإسلام - الذي هو توحيد الله وطاعته، والإيمان بكتبه ورسله، وبالبعث والجزاء قال القرطبي : المراد اجعلوا الدين قائما مستمرا، محفوظا من غير خلاف فيه ولا اضطراب، في الأصول التى لا تختلف فيها الشريعة وهى :(التوحيد، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج ) وغيرها، فهذا كله مشروع دينا واحدا وملة متحدة.
[ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ] أي عظم وشق على الكفار ما تدعوهم إليه من عبادة الرحمن، وتوحيد الواحد القهار
[ الله يجتبي إليه من يشاء يهدى إليه من ينيب ] أي الله يصطفي ويختار للإيمان والتوحيد، من يشاء من عباده، ويهدي إلى دينه من يرجع إلى طاعته، فيوفقه له ويقربه إليه، رحمة وإكراما
[ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ] أي وما تفرق أهل الأديان المختلفة، من اليهود والنصارى وغيرهم، إلا من بعدما قامت عليهم الحجج والبراهين من النبي المرسل إليهم
[ بغيا بينهم ] أي ظلما وتعديا، وحسدا وعنادا
[ ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى ] أي ولولا أن الله قضى بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة
[ لقضي بينهم ] أي لعجل الله لهم العقوبة فى الدنيا سريعا بإستئصالهم قال ابن كثير : أي لولا الكلمة السالفة من الله تعالى، بإنظار العباد إلى يوم المعاد، لعجل لهم العقوبة سريعا
[ وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم ] اي وإن بقية أهل الكتاب الذين عاصروا رسول الله (ص) من بعد أسلاقهم السابقين
[ لفي شك منه مريب ] أي لفى شك من التوراة والإنجيل، موقع لهم في أشد الحيرة والريبة، لأنهم ليسوا على يقين من أمر دينهم وكتابهم، وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا برهان قال البيضاوي : لا يعلمون كتابهم كما هو، ولا يؤمنون به حق الإيمان، فهم في شك مقلق
[ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ] أي فلأجل ذلك التفرق الذي حدث لأهل الكتاب، أمرناك يا أيها الرسول أن تدعو الناس إلى دين الحنيفية السمحة، الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك، فادع يا محمد إليه، وإلزم النهج القويم، مع الاستقامة على الدين الحق كما أمرك ربك
[ ولا تتبع أهواءهم ] أي ولا تتبع أهواء المشركين الباطلة، فيما يدعونك إليه من ترك دعوة التوحيد
[ وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ] أي صدقت بكل كتاب أنزله الله تعالى قال الرازي : يعني الإيمان بجميع الكتب السماوية، لأن أهل الكتاب المتفرقين في دينهم آمنوا ببعض، وكفروا ببعض
[ وامرت لأعدل بينكم ] أي وأمرني ربي بأن أعدل بينكم في الحكم قال ابن جزي : يعني العدل في الأحكام إذا تخاصموا إليه
[ الله ربنا وربكم ] أي الله خالقنا جميعا ومتولي أمورنا، فيجب أن نفرده بالعبادة


الصفحة التالية
Icon