[ يرزق من يشاء ] أي يوسع الرزق على من يشاء قال القرطبي : وفي تفضيل قوم بالمال حكمة، ليحتاج البعض إلى البعض، وهذا من لطفه بالعباد، وأيضا ليمتحن الغنى بالفقير، والفقير بالغني، كقوله تعالى [ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ]
[ وهو القوى ] أي القادر على كل ما يشاء
[ العزيز ] أي الغالب الذي لا يغالب ولا يدافع ! ! ثم لما بين كونه لطيفا بالعباد، كثير الإحسان إليهم، أشار إلى أن الإنسان ما دام في هذه الحياة فعليه أن يسعى في طلب الخيرات لأسباب السعادة، فقال سبحانه
[ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ] أي من كان يريد بعمله ثواب الآخرة ونعيمها، نزد له في أجره وثوابه، بمضاعفة حسناته
[ ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ] أي ومن كان يريد بعمله متاع الدنيا ونعيمها فقط، نعطه بعض ما يطلبه من المتاع العاجل، مما قدر له
[ وما له في الآخرة من نصيب ] أي وليس له في الآخرة حظ من الثواب والنعيم قال الزمخشري : سمى ما يعمله العامل مما يبتغي به الفائدة حرثا على سبيل المجاز، وفرق بينهما بأن من عمل للآخرة ضوعفت حسناته، ومن عمل للدنيا أعطى شيئا منها، لا ما يريده ويبتغيه وقال في التسهيل : حرث الآخرة عبارة عن العمل لها، وكذلك حرث الدنيا، وهو مستعار من حرث الأرض، لأن الحارث يعمل وينتظر المنفعة بما عمل.. ثم أخذ ينكر على الكفار عبادتهم لغير الله، مع إنه الخالق المتفضل على العباد فقال
[ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ] ؟ الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي الهؤلاء الكفار شركاء من الشياطين، أو آلهة من الأوثان ؟ شرعوا لهم الشرك والعصيان، الذي لم يأمر به الرحمن ؟ قال شيخ زاده : وإسناد الشرع الى الأوثان، وهي جمادات إسناد مجازي، من إسناد الفعل إلى السبب، وسماه دينا للمشاكلة والتهكم
[ ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم ] أي لولا أن الله حكم وقضى في سابق أزله، أن الثواب والعقاب يكونان يوم القيامة، لحكم بين الكفار والمؤمنين، بتعجيل العقوبة للظالم، وإثابة المؤمن
[ وإن الظالمين لهم عذاب أليم ] أي وإن الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعصيان، لهم عذاب موجع مؤلم
[ ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا ] أي ترى أيها المخاطب الكافرين يوم القيامة، خائفين خوفا شديدا من جزاء السيئات التي ارتكبوها في الدنيا
[ وهو واقع بهم ] أي والجزاء عليها نازل بهم يوم القيامة لا محالة، سواء خافوا أو لم يخافوا
[ والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ] أي والمؤمنون الصالحون في رياض الجنة يتمتعون، في أطيب بقاعها، وفي أعلى منازلها
[ لهم ما يشاءون عند ربهم ] أي لهم في الجنات ما يشتهونه من أنواع اللذائذ والنعيم، والثواب العظيم عند رب كريم قال ابن كثير : فأين هذا من هذا ؟ أين من هو في الذل والهوان، ممن هو في روضات الجنان ؟ فيما يشاء من مآكل ومشارب وملاذ ولهذا قال تعالى
[ ذلك هو الفضل الكبير ] أي ذلك النعيم والجزاء، هو الفوز الأكبر الذي لا يوازيه شيء قال القرطبي : أي الفضل الذي لا يوصف، ولا تهتدي العقول إلى حقيقة صفته، لأن الحق جل وعلا إذا قال " كبير " فمن ذا الذي يقدر قدره
[ ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي ذلك الإكرام والإنعام، هو الذي يبشر الله به عباده المؤمنين المتقين، ليتعجلوا السرور، ويزدادوا شوقا إلى لقائه