[ وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ] تعديد لنعمه على العباد، أي هو تعالى الذي ينزل المطر، الذي يغيثهم من الجدب، من بعد ما يئسوا من نزوله
[ وينشر رحمته ] أي ويبسط خيراته وبركاته على العباد
[ وهو الولى الحميد ] أي وهو الولي الذي يتولى عباده، المحمود بكل لسان، على ما أسدى من النعماء والإحسان
[ ومن آياته خلق السموات والأرض ] أي ومن دلائل قدرته، وعجانب حكمته، الدالة علئ وحدانيته، خلق السموات والأرض، بهذا الشكل البديع
[ وما بث فيهما من دابة ] أي وما نشر وفرق في السموات والأرض من مخلوقات قال ابن كثير : وهذا يشمل الملائكة والإنس والجن، وسائر الحيوانات على اختلاف أشكالهم وألوانهم وأجناسهم وأنواعهم وقال مجاهد : هم الناس والملائكة
[ وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ] أي وهو تعالى قادر على جمع الخلائق للحشر والحساب والجزاء، في أي وقت شاء
[ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ] أي وما أصابكم أيها الناس مصيبة من المصائب، في النفس أو المال، فإنما ير بسبب معاصيكم التي اكتسبتموها قال الجلال : وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها
[ ويعفوا عن كثير ] أي ويصفح عن كثير من الذنوب فلا يعاقبكم عليها، ولو أخذكم بكل ما كسبتم لهلكتم، وفى الحديث (لا يصيب ابن آدم خدش عود، أو عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر
[ وما أنتم بمعجزين في الأرض ] أى ولستم أيها المشركون فائتين من عذاب الله، ولا هاربين من قضائه، وإن هربتم من أقطارها كل مهرب
[ وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير ] أي وليس لكم غير الله ولن يتولى أموركم، ويتعهد مصالحكم، ولا نصير غيره يدفع عنكم عذابه وانتقامه.
فائدة :
المصائب التي تصيب الناس لتكفير السيئات، وأما الأنبياء فإنما هي لرفع الدرجات، لأنهم معصومون عن الذنوب والآثام.
تنبيه :
قال بعض العلماء : لا يستبعد أن يكون في الكواكب السيارة، والعوالم العلوية مخلوقات - غير الملائكة - تشبه مخلوقات الأرض، وأن يكون فيها حيوانات تشبه الحيوانات التي على أرضنا كما تدل الدلائل الفلكية على وجود حياة في المريخ، واستدلوا بهذه الآية [ ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة ] الآية، أقول : يحتمل أن يوجد في هذا الفضاء الواسع، مخلوقات حية غير الإنسان، أما الإنسان فإننا نقطع بأنه لا يوجد إلا فوق سطح هذا الكوكب الأرضي، لقوله تعالى :[ قال فيها تحيون، وفيها تموتون، ومنها تخرجون ].
قال الله تعالى :[ ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام.. ] إلى قوله [ ألا إلى الله تصير الأمور ]. من آية ( ٣٢) إلى آية (٥٣ ) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى بعض الدلائل على وحدانيته في خلق السموات والأرض، وما بث فيهما من مخلوقات لا تحصى، أتبعه بذكر آية أخرى تدل على وجود الإله القادر الحكيم، وهى السفن الضخمة التي تشبه الجبال، تسير بقدرته تعالى فوق سطح البحر، محملة بالأقوات والأرزاق، وختم السورة الكريمة ببيان إثبات الوحي، وصدق القرآن، ليتناسب البدء مع الختام.
اللغة :
[ الجوار ] جمع جارية وهي السفينة سميت جارية لأنها تجري في الماء
[ كالأعلام ] جمع علم وهو الجبل العظيم الشاهق، قالت الخنساء : وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
[ رواكد ] ثوابت ساكنة لا تسير، من ركد الماء إذا سكن ووقف عن الجري
[ محيص ] مهرب ومخلص من العذاب
[ يوبقهن ] يهلكهن يقال : أوبقه أي أهلكه
[ الفواحش ] جمع فاحشة وهي ما تناهي قبحه كالزنى والقتل والشرك وغيرها
[ نكير ] منكر ينكر ما ينزل بكم من العذاب
[ عقيما ] العقيم : المرأة التي لا تلد، سواء كانت شابة أو مسنة.
التفسير :