[ ومن أياته الجوار في البحر كالأعلام ] أي ومن علاماته الدالة على قدرته الباهرة، وسلطانه العظيم، السفن الجارية في البحر، كأنها الجبال من عظمها وضخامتها
[ إن يشاء يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ] أي لو شاء تعالى لأسكن الرياح وأوقفها، فتبقى السفن سواكن وثوابت على ظهر البحر لا تجري
[ إن في ذلك لأيات لكل صبار شكور ] أي إن في تسييرها لعبرا وعظات، لكل مؤمن صابر في البأساء، شاكر في الرخاء قال الصاوي : أي كثير الصبر على البلايا، عظيم الشكر على العطايا وقال أبو حيان : وإنما ذكر السفن الجارية في البحر، لما فيها من عظيم دلائل القدرة، من جهة أن الماء جسم لطيف شفاف، يغوص فيه الثقيل، والسفن تحمل الأجسام الثقيلة الكثيفة، ومع ذلك جعل الله تعالى في الماء قوة، يحملها بها ويمنعها من الغوص، ثم جعل الرياح سببا لسيرها، فإذا أراد أن ترسو أسكن الريح فلا تبرح عن مكانها
[ أو يوبقهن بما كسبوا ] أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف، فيغرق هذه السفن وأهلها، بسبب ما اقترفوا من جرائم
[ ويعف عن كثير ] أي ويتجاوز عن كثير من الذنوب فينجيهم الله من الهلاك
[ ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ] أي وليعلم الكفار المجادلون في آيات الله بالباطل، أنه لا ملجأ لهم ولا مهرب من عذاب الله قال القرطبي : أي ليعلم الكفار إذا توسطوا البحر وغشيتهم الرياح من كل مكان، أنه لا ملجأ لهم سوى الله، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم، فيخلصون له العبادة
[ فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ] أي فما أعطيتم ايها الناس من شيء، من نعيم الدنيا وزهرتها الفانية، فإنما هو نعيم زائل، تتمتعون به مدة حياتكم ثم يزول
[ وما عند الله خير وأبقى ] أي وما عند الله من الثواب والنعيم، خير من الدنيا وما فيها، لأن نعيم الآخرة دائم مستمر، فلا تقدموا آلفاني على الباقي
[ للذين آمنوا ] أي للذين صدقوا الله ورسوله، وصبروا على ترك الملاذ في الدنيا
[ وعلى ربهم يتوكلون ] أي واعتمدوا على الله وحده في جميع أمورهم
[ والذين يجتنبون كبائر الإثم ] أي وهؤلاء المؤمنون هم الذين يجتنبون كبائر الذنوب كالشرك والقتل وعقوق الوالدين
[ والفواحش ] قال ابن عباس : يعني الزنى
[ وإذا ما غضبوا هم يغفرون ] أي إذا غضبوا على أحد ممن اعتدى عليهم، عفوا وصفحوآ قال الصاوى : من مكارم الأخلاق التجاوز، والحلم عند حصول الغضب، ولكن يشترط أن يكون الحلم غير مخل بالمروءة ولا واجبا كما إذا انتهكت حرماث الله، فالواجب حينئذ الغضب لا الحلم، وعليه قول الشافعي " من استغضب ولم يغضب فهو حمار " وقال الشاعر :" وحلم الفتى في غير موضعه جهل "
[ والذين استجابوا لربهم ] أى أجابوا ربهم إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة قال البيضاوي : نزلت في الأنصار دعاهم رسول الله (ص) إلى الإيمان فاستجابوا
[ وأقاموا الصلاة ] أى أدوها بشروطها وآدابها، وحافظوا عليها في أوقاتها
[ وأمرهم شورى بينهم ] أى يتشاورون في الأمور، ولا يعجلون، ولا يبرمون أمرا من مهمات الدنيا والدين، إلا بعد المشورة
[ ومما رزقناهم ينفقون ] أى وينفقون مما أعطاهم الله في سبيل الله، بالإحسان إلى خلق الله
[ والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون ] أى ينتقمون ممن بغى عليهم، ولا يستسلمون لظلم المعتدي، قال إبراهيم النخعى : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترىء عليهم الفساق قال أبو السعود : وهو وصف لهم بالشجاعة، بعد وصفهم بسائر الفضائل، وهذا لا ينافي وصفهم بالغفران فإن كلا في موضعه محمود