[ وهو في الخصام غير مبين ] أى ومن هو في الجدال غير مظهر لحجته، لضعف رأيه ؟ أومن يكون هكذا ينسب إلى جناب الله العظيم ؟ قال في التسهيل : والمقصد الرد على الذين قالوا : الملائكة بنات الله، كأنه قال : أجعلتم لله من ينشأ في الحلية ؟ يعني بكبر وينبت في استعمالها، وذلك صفة النقص، ثم أتبعها بصفة نقص أخرى فقال [ وهو في الخصام غير مبين ] يعني أن الأنثى إذا خاصمت أو تكلمت، لم تقدر أن تبين حجتها لنقص عقلها، وقلما تجد امرأة إلا تفسد الكلام، وتخلط المعاني، فكيف ينسب لله من يتصف بهذه النقائص ؟ ؟ وقال ابن كثير : المرأة ناقصة في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي، ليجبر ما فيها من نقص، كما قال بعض الشعراء : وماالحلي إلا زينة مني نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت " ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء، وبرها سرقة "
[ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ] كفر أخر تضمنه قولهم الشنيع، أى وأعتقد كفار العرب بأن الملائكة - الذين هم أكمل العباد وأكرمهم على الله - أنهم إناث وحكموا عليهم بذلك
[ اشهدوا خلقهم ] أى أحضروا وقت خلق الله لهم حتى عرفوا أنهم إناث ؟ وهذا تجهيل وتهكم بهم
[ ستكتب شهادتهم ويسألون ] أى سنأمر الملائكة بكتابة شهادتهم الكاذبة، في ديوان أعمالهم، ويسألون عنها يوم القيامة، وهو وعيد شديد مع التهديد قال المفسرون : حكى تعالى عن كفار العرب ثلاثة أقوال شنيعة : الأول : أنهم نسبوا إلى الله الولد، الثاني : أنهم نسبوا إليه البنات دون البنين، الثالث : أنهم حكموا على الملائكة المكرمين بالأنوثة بلا دليل ولا برهان، فكذبهم القرآن الكريم في تلك الأقوال، ثم زادوا ضلالا وبهتانا فزعموا أن ذلك برضى الله
[ وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ] أى قالوا على سبيل السخرية والإستهزاء : لو شاء الله ما عبدنا هؤلاء الملائنكة ولا الأصنام، ولما كانت عبادتنا واقعة بمشيئته، فهو راضى بها قال القرطبي : وهذا منهم كلمة حق أريد بها باطل، فكل شىء بإرادة الله، والمشيئة غير الرضى، ولا يصح الاحتجاج بالمشيئة، فإنهم لو عبدوا الله بدل الأصنام لعلمنا أن الله أراد منهم ذلك، وقد كذبهم الله بقوله
[ ما لهم بذلك من علم ] أى ما لهم بذلك القول حجة ولا برهان
[ إن هم إلا يخرصون ] أى ما هم إلا يكذبون ولتقولون على الله كذبا وزورا
[ أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون ] رد أخر عليهم، أى أم أنزلنا على هؤلاء المشركين كتابا من قبل القرآن ؟ فهم بذلك الكتاب متمسكون يعملون بتوجيهاته ؟ قال الإمام الفخر : والمعنى : هل وجدوا ذلك الباطل في كتاب منزل قبل القرآن، حتى يعولوا عليه ويتمسكوا به
[ بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة ] بل للإضراب وهو الانتقال من كلام إلى آخر، أى لم يأتوا بحجة عقلية أو نقلية على ما زعموا، بل اعترفوا بأنه لا مستند لهم سوى تقليد آبائهم الجهلة قال أبو السعود : والأمة : الدين والطريقة، سميت أمة لأنها تؤم وتقصد
[ وإنا على آثارهم مقتدون ] أى ونحن ماشون على طريقتهم مهتدون بآثارهم
[ وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير ] أى وكما تبع هؤلاء الكفار، آباءهم بغير حجة ولا برهان، كذلك فعل من قبلهم من المكذبين، فما بعثنا قبلك رسولا في أمة من الأمم


الصفحة التالية
Icon