[ إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ] أي إلا قال المتنعمون فيها الذين أبطرتهم النعمة، وأعمتهم الشهوات والملاهي، عن تحمل المشاق في طلب الحق : إنا وجدنا أسلافنا على ملة ودين، وإنا مقتدون بهم في طريقنهم قال البيضاوي : والآية تسلية لرسول الله، ودلالة على أن التقليد في نحو هذا ضلال قديم، وأسلافهم لم يكن لهم سند منظور يعتد به، وإنما خصص المترفين بالذكر، للإشعار بأن التنعم وحب البطالة، صرفهم عن النظر إلى التقليد الأعمى، وذكر هنا [ مقتدون ] وهناك [ مهتدون ] تفننا لأن معناهما وا حد
[ قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ] ؟ أى قال كل نبى لقومه حين انذرهم عذاب الله : اتقتدون بآبائكم ولو جئتكم بدين أهدى وأرشد مما كانوا عليه ؟
[ قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ] أى قالوا إنا كافرون بكل ما أرسلتم به من التوحيد والإيمان، والبعث والنشور
[ فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ] أى فانتقمنا من الأمم المكذبة بأنواع العذاب، فانظر أيها السامع كيف صار حالهم ومآلهم ! ! ألم يجعلهم عبرة للمعتبرين ! !
قال الله تعالى :[ وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون.. ] إلى قوله [ من دون الرحمن آلهة يعبدون ]. من آية (٢٦) إلى نهاية آية (٤٥ ).
المناسبة :
لما حكى عن المشركين تقليدهم الأعمى للآباء، ذكر هنا إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام، الذي يفتخر به العرب وينتسبون إليه، وتبرءه من قومه ومن عبادة الأوثان، للمقارنة بين الهدى والضلال، وبين منطق العقل السديد، ومنطق الهوى والتقليد.
اللغة :
[ براء ] مصدر بمعنى بريء أى متبرىء يقال : تبرات من الأمر أى تخليت عنه بالكلية
[ عقبه ] ذريته ونسله قال ابن شهاب : العقب : الولد وولد الولد
[ سخريا ] أى مسخرا في العمل مستخدما فيه
[ معارج ] مصاعد ومراقي جمع معراج وهو ما يصعد عليه الإنسان كالدرج ونحوه
[ يظهرون ] يرتقون ويصعدون
[ زخرف ] زينة من ذهب وفضة وغيرهما
[ يعش ] يعرض وأصله من عشي البصر إذا ضعف، قال الخليل : العشو هو النظر ببصر ضعيف.
التفسير :
[ وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ] أى واذكر يا محمد حين قال إبراهيم الخليل لأبيه وقومه المشركين : إننى بريء : من هذه الأوثان، التي تعبدونها من دون الرحمن
[ إلا الذى فطرني فإنه سيهدين ] أى لكن ربي الذي خلقنى وأنشأنى من العدم، فإنه يرشدني إلى الدين الحق، ويهديني إلى طريق السعادة
[ وجعلها كلمة باقية في عقبه ] أى وجعل إبراهيم هذه الكلمة - كلمة التوحيد - باقية في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله
[ لعلهم يرجعون ] أى رجاء أن يرجع إلى الإيمان من أشرك منهم قال مجاهد :" وجعلها كلمة " يعني " لا إله إلا الله " لا يزال في ذريته من يقولها إلى يوم الدين
[ بل متعت هؤلاء وآباءهم ] أى بل متعت أهل مكة وآباءهم - وهم من نسل إبراهيم - بالإمداد في العمر والنعمة، فاغتزوا بالمهلة، واشتغلوا بالتنعم، واتباع الشهوات عن كلمة التوحيد
[ حتى جاءهم الحق ورسول مبين ] أى حتى جاءهم القرآن، ورسول ظاهر الرسالة، مؤيد بالمعجزات الباهرة من عند الله قال الإمام الفخر : وجه نظم الآية أنهم لما عولوا على تقليد الآباء، ولم يتفكروا في الحجة، اغتروا بطول الإمهال، وإمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا، فأعرضوا عن الحق
[ ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر ] أي ولما جاءهم القرآن لينبههم من غفلتهم، وبرشدهم إلى التوحيد، ازدادوا عتوأ وضلالآ، فقالوا عن القرآن : إنه سحر