[ أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ] أى أو نرينك يا محمد العذاب الذي وعدناهم به في حياتك، فإنا قادرون عليهم، فهم في قبضتنا لا يفوتوننا قال ابن عباس : قد أراه الله ذلك يوم بدر وقال ابن كثير : المعنى لابد أن ننتقم منهم ونعاقبهم في حياتك، أو بعد وفاتك، ولم يقبض الله تعالى رسوله، حتى أقر عينه من أعدائه، وحكمه في نواصيهم
[ فاستمسك بالذي أوحي إليك ] أى فتمسك يا أيها الرسول بالقرآن الذي أوحيناه لك
[ إنك على صراط مستقيم ] أى فإنك على الحق الواضح والطريق المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم
[ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ] أي وإن هذا القرآن لشرف عظيم، لك ولقومك من قريش، إذ أنزل بلغتهم وعلى رجل منهم، وسوف سألون عن شكر هذه النعمة قال في التسهيل : والذكر هنا بمعنى الشرف، وقوم النبي (ص) هم قريش وسائر العرب، فإنهم نالوا بالإسلام شرف الدنيا والآخرة، ويكفيك أن فتحوا مشارق الدنيا ومغاربها، وصارت فيهم الخلافة والملك، وهذا القرآن شرف لكل من تبعه، وهذه الآية نظير قوله تعالى [ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ] ؟
[ وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ] هذا على سبيل الفرض، وفي الكلام محذوف أي إن كنت يا محمد شاكا في أمر التوحيد، فسل من سبقك من الرسل
[ أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ] ؟ أي هل هناك أحد من الرسل، دعا لعبادة غير الله ؟ والآية كقوله تعالى [ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ] قال أبو السعود : والمراد بالآية الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد، والتنبيه على أنه ليس ببدع ابتدعه، حتى يكذب ويعادى وقال أبو حيان : ويظهر أن الخطاب هنا للسامع، والسؤال هنا مجاز عن النظر في أديان الأنبياء، هل جاءت عبادة الأوثان في ملة من مللهم ؟ وهذا كما يساءل الشعراء الديار والأطلال، ومنه قولهم :(سل الأرض من شق أنهارك، وغرس اشجارك، وجنى ثمارك ؟ فإنها إن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا)، وهذا كله من باب المجاز.
قال الله تعالى :[ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه.. ] إلى قوله [ هذا صراط مستقيم ]. من آية (٤٦) إلى نهاية آية (٦٤).
المناسبة :
لما طعنت قريش على الرسول (ص) في أمر النبوة، بسبب أنه فقير عديم المال والجاه، واختاروا أن يتنزل القرآن على رجل كثير المال عظيم الجاه، ذكر تعالى قصة " موسى مع فرعون " ليشير إلى أن منطق العناد والطغيان واحد، فقد سبقهم فرعون إلى التجبر بماله وسلطانه، ورفض قبول دعوة الحق بحجة إنه أكثر مالا وجاها من موسى، فردت الآيات الكريمة هذه الشبهة السقيمة بالحجة والبرهان.
اللغة :
[ ينكثون ] نكث العهد : نقضه
[ مهين ] حقير لا قدر له ولا مكانة
[ آسفونا ] أغضبونا وغاظونا
[ سلفا ] قدوة
[ يصدون ] بكسر الصاد بمعنى يضجون ويصيحون، وبضمها بمعنى الإعراض ومنع الناس عن الإيمان قال الجوهري : صد يصد صديدا أى ضج، وقيل إنه بالضم من الصدود وهو الإعراض، وبالكسر من الضجيج، وقال الفراء : هما سواء
[ تمترن ] الامتراء : الشك، امترى في الأمر شك فيه، والمرية : الشك.
سبب النزول :
عن مجاهد قال : إن قريشا قالت إن محمدا يريد أن نعبده كما عبد النصارى عيسى ابن مريم، فأنزل الله [ ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ].
التفسير :
[ ولقد ارسلنا يوسف بآياتنا إلى فرعون وملائه ] أى والله لقد أرسلنا موسى بالمعجزات الباهرة، الدالة على صدقه، إلى فرعون وقومه الأقباط
[ فقال إني رسول رب العالمين ] أى فقال له موسى : إني رسول الله إليك، أرسلني لأدعوك وقومك إلى عبادة الله وحده