[ فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ] أى فلما جاءهم بتلك الآيات الباهرة، الدالة على رسالته ضحكوا سخرية واستهزاء به قال القرطبي : إنما ضحكوا منها ليوهموا أتباعهم أن تلك الآيات سحر، وأنهم قادرون عليها، قال تعالى
[ وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ] أى وما نريهم آية من آيات العذاب، كالطوفان، والجراد، والقمل، إلا وهي في غاية الكبر والظهور، بحيث تكون أوضح من سابقتها قال الصاوي : والمعنى إلا وهي بالغة الغاية في الإعجاز، بحيث يظن الناظر إليها أنها أكبر من غيرها
[ وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون ] أى عاقبناهم بأنواع العذاب الشديد، لعلهم يرجعون عما هم عليه من الكفر والتكذيب
[ وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك ] أى وقالوا لما عاينوا العذاب يا ايها الساحر ادع لنا ربك ليكشف عنا هذا البلاء والعذاب
[ بما عهد عندك ] أى بالعهد الذي أعطاك إياه من استجابة دعائك
[ إننا لمهتدون ] أى لنؤمنن بك إن كشف عنا العذاب بدعائك، قال المفسرون : ليس قولهم [ يا أيه الساحر ] على سبيل الانتقاص، وإنما هو تعظيم في زعمهم، لأن السحر كان علم زمانهم، ولم يكن مذموما، فنادوه بذلك على سبيل التعظيم، قال ابن عباس : معناه يا أيها العالم، وكان الساحر فيهم عظيما يوقرونه
[ فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ] أى فلما رفعنا عنهم العذاب بدعوة موسى، إذا هم ينقضون العهد، ويصرون على الكفر والعصيان
[ ونادى فرعون في قومه ] أى نادى فرعون روساء القبط وعظماءهم، لما رأى الآيات الباهرة من موسى، وخاف أن يؤمنوا
[ قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ] ؟ أي قال مفتخرا متبجحا : أليست بلاد مصر الواسعة الشاسعة ملكا لي ؟ وهذه الخلجان والأنهار المتفرعة من نهر النيل تجري من تحتى قصوري ؟ قال القرطبي : ومعظمها أربعة : نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تينس وكلها من النيل وقال قتادة : كانت جنانها وأنهارها تجري من تحت قصره
[ أفلا تبصرون ] ؟ أى أفلا تبصرون عظمتي وسعة ملكي، وقلة موسى وذلته ؟
[ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ] أى بل أنا خير من هذا الضعيف الحقير، الذي لا عز له ولا جاه ولا سلطان، فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه ؟ يعني بذلك موسى عليه السلام
[ ولا يكاد يبين ] أى لا يكاد يفصح عن كلامه، ويوضح مقصوده، فكيف يصلح للرسالة ؟ قال ابو السعود : قال فرعون ذلك افتراء على موسى، وتنقيصا له عليه السلام في أعين الناس، باعتبار ما كان في لسانه من عقدة، ولكن الله أذهبها عنه بدعائه [ واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ]
[ فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب ] ؟ أى فهلا ألقى الله إليه أسورة من ذهب، كرامة له ودلالة على نبوته ! ! قال مجاهد : كانوا إذا أرادوا أن يجعلوا رجلأ رئيسا عليهم، سوروه بسوارين وطوقوه بطوق من ذهب علامة لسيادته
[ أو جاء معه الملائكة مقترنين ] أى أو جاءت معه الملائكة يكتنفونه، خدمة له وشهادة بصدقه قال أبو حيان : لما وصف فرعون نفسه بالعزة والملك، ووازن بينه وبين موسى عليه السلام، ووصفه بالضعف وقلة الأعوان، اعترض فقال : إن كان صادقا فهلا ملكه ربه وسوره وجعل الملائكة أنصاره!
[ فاستخف قومه فأطاعوه ] أى فاستخف بعقول قومه واستجهلهم لخفة أحلامم، فأطاعوه فيما دعاهم إليه من الضلالة
[ إنهم كانوا قوما فاسقين ] أى إنما أجابوه لفسقهم وخروجهم عن طاعة الله
[ فلما آسفونا انتقمنا منهم ] أى فلما أغضبونا وغاظونا انتقمنا منهم بأشد أنواع العقاب


الصفحة التالية
Icon