[ فأغرقناهم أجمعين ] أى فأغرقنا فرعون وقومه في البحر أجمعين، فلم نبق منهم أحدا قال المفسرون : اغتر فرعون بالعظمة والسلطان، والأنهار التي تجري من تحته، فأهلكه الله بجنس ما تكبر به هو وقومه، وذلك بالغرق بماء البحر، وفيه إشارة إلى أن من تعزز بشىء، أهلكه الله به
[ فجعلناهم سلفا ومثلا للأخرين ] أى جعلنا قوم فرعون قدوة لمن بعدهم من الكفار، في استحقاق العذاب والدمار، ومثلا يعتبرون به لئلا يصيبهم مثل ذلك قال مجاهد : سلفا لكفار قريش يتقدمونهم إلى النار، وعظة وعبرة لمن يأتي بعدهم
[ ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ] أى ولما ذكر عيسى ابن مريم في القرآن، وضرب المثل بالآلهة التي عبدت من دون الله، إذا مشركو قريش يضجون وترتفع أصواتهم بالصباح قال المفسرون : لما قرأ رسول الله (ص) :[ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ] قال ابن الزبعرى : أهذا لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم ؟ فقال عليه السلام : هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم، فقال : قد خصمتك ورب الكعبة ؟ أليست النصارى يعبدون المسيح، واليهود يعبدون عزيرا ؟ وبنو فلان يعبدون الملائكة فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم فسكت عليه الصلاة والسلام إنتظارا للوحي، فظنوا أنه ألزم الحجة، فضحك المشركون وضجوا وارتفعت أصواتهم ) فأنزل الله [ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ] قال القرطبي : ولو تأمل ابن الزبعرى الآية ما اعترض عليها، لأنه تعالى قال [ انكم وما تعبدون ] ولم يقل " ومن تعبدون " وإنما أراد الأصنام ونحوها مما لا يعقل، ولم يرد المسيح ولا الملائكة وإن كانوا معبودين
[ وقالوا أآلهتنا خير أم هو ] أى أآلهتنا خير أم عيسى ؟ فإن كان عيسى في النار، فلتكن آلهتنا معه
[ ما ضربوه لك إلا جدلا ] أى ما قالوا هذا القول لك إلا على وجه الجدل والمكابرة، لا لطلب الحق
[ بل هم قوم خصون ] أى بل هم قوم شديدو الخصومة، واللجاج بالباطل قال في التسهيل : أى ما ضربوا لك هذا المثال، إلا على وجه الجدل، وهو أن يقصد الإنسان أن يغلب من يناظره، سواء غلبه بحق أو بباطل، فإن ابن الزبعرى وأمثاله ممن لا يخفى عليه أن عيسى لم يدخل في قوله تعالى [ حصب جهنم ] ولكنهم أرادوا المغالطة فوصفهم الله بأنهم قوم خصمون
[ إان هو إلا عبد أنعمنا عليه ] أى ما عيسى إلا عبد كسائر العبيد، أنعمنا عليه بالنبوة، وشرفناه بالرسالة، وليس هو إلها ولا ابن إله، كما زعم النصارى
[ وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ] أى وجعلناه آية وعبرة لبنى إسرائيل، يستدلون بها على قدرة الله تعالى، حيث خلق من أم بلا أب قال الرازي : أى صيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر، حيث خلقناه من غير أب كما خلقنا آدم
[ ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ] أى لو أردنا لجعلنا بدلا منكم ملائكة، يسكنون في الأرض، يكونون خلفا عنكم، قال مجاهد : ملائكة يعمرون الأرض بدلا منكم
[ وإنه لعلم للساعة ] أى وأن عيسى علامة على قرب الساعة، قال ابن عباس وقتادة : إن خروج عيسى عليه السلام من أعلام الساعة، لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة،
[ فلا تمترن بها ] أى فلا تشكوا في أمر الساعة، فإنها آتية لا محالة، وفي الحديث (يوشك أن ينزل فيكم عيسى ابن مريم حكما قسطا٠٠) الحديث
[ واتبعون هذا صراط مسنقيم ] أى وقل لهم يا محمد : اتبعوا هداي وشرعي، فإن هذا الذي أدعوكم إليه، دين قيم وطريق مستقيم
[ ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ] أى لا تغتروا بوساوس الشيطان، واحذروا أن يصدكم عن اتباع الحق، فإنه لكم عدو ظاهر العداوة، حيث أخرج أباكم من الجنة، ونزع عنه لباس النور