[ ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ] أى ولما جاء عيسى بالمعجزات، وبالشرائع البينات الواضحات، قال قد جئتكم بما تقتضيه الحكمة الإلهية من الشرائع
[ ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه ] أى وجئتكم لأبين لكم ما اختلفتم فيه من أمور الدين، قال ابن جزي : وإنما قال [ بعض الذي تختلفون فيه ] دون الكل، لأن الأنبياء إنما يبينون أمور الدين لا أمور الدنياوقال الطبري : يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية
[ فاتفوا الله وأطيعون ] أي فاتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأطيعوا أمري فيما أبلغه إليكم من التكاليف
[ إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه ] أى إن الله جل وعلا هو الرب المعبود لا رب سواه، فأخلصوا له الطاعة والعبادة قال ابن كثير : أى أنا وأنتم عببد له، فقراء إليه، مشتركون في عبادته وحده
[ هذا صراط مستقيم ] أي هذا التوحيد والتعبد بالشرائع، طريق مستقيم، موصل إلى جنات النعيم.
قال الله تعالى :[ فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم.. ] إلى قوله [ فسوف يعلمون ] من آية ( ٦٥) إلى آية (٨٩) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى أمر عيسى ودعوته إلى الدين الحق، أتبعه بذكر ضلال أهل الكتاب، حيث تفرقوا شيعا وأحزابا في شأنه، فقال بعضهم إنه إله، وقال بعضهم إنه ابن الإله، وقال آخرون إنه ثالث ثلاثة، ثم ذكر تعالى أحوال القيامة وأهوالها، وختم السورة الكريمة ببيان صفات المعبود الحق، الواحد الأحد جل وعلا، الذي أبدع خلق كل شىء، وهو القوي المتين.
اللغة :
[ الأخلاء ] جمع خليل وهو الصديق الحميم
[ تحبرون ] تسرون وتفرحون، والحبور : السرور والفرح
[ أكواب ] جمع كوب وهو القدح الذي لا عروة له
[ مبلسون ] آيسون من الرحمة، وحزينون من شدة اليأس
[ أبرموا ] أحكموا الشىء يقال : أبرم القوم آمرهم : أحكموه، والإبرام : الإحكام
[ يؤفكون ] يقلبون ويصرفون، أفكه أفكا أى قلبه وصرفه عن الشيء.
سبب النزول :
عن مقاتل قال : مكر المشركون بالنبي (ص) في دار الندوة، وتآمروا على قتله، حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم، وهو أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله، وتضعف المطالبة بدمه فنزلت :[ أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ].
التفسير :
[ فاختلف الأحزاب من بينهم ] أى اختلفت فرق النصارى في شأن عيسى، وصاروا شيعا وأحزابا فيه قال اآبن كثير : صاروا شيعا فيه، منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله - وهو الحق -، ومنهم من يدعي أنه ولد الله، ومنهم من يقول إن عيسى هو الله، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا
[ فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ] أى فهلاك ودمار لهؤلاء الكفرة الظالمين، من عذاب يوم مؤلم، هو يوم القيامة
[ هل ينظرون إلا الساعة أن تآتيهم بغتة ] أى هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون إلا إتيان الساعة ومجيئها فجأة
[ وهم لا يشعرون ] أى وهم غافلون عنها مشتغلون بأمور الدنيا، وحينئذ يندمون حيث لا ينفعهم الندم، ثم ذكر تعالى أحوال القيامة، فقال سبحانه
[ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ] أى الأصدقاء والأحباب يوم القيامة يصبحون أعداء، إلا من كانت صداقته ومحبته لله قال ابن كثير : كل خلة وصداقة لغير الله، فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة، إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه قال ابن عباس : صارت كل خلة عداوة يوم القيامة، إلا المتقين تشريفا وتطييبا لقلوبهم
[ يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ] هذا نداء من الرب لعباده المتقين، يقول : يا عباد المؤمنين الذين تحققتم في العبودية لرب العالمين، لا خوف عليكم في هذا اليوم العصيب، ولا أنتم تحزنون على ما فاتكم من الدنيا، ثم وضحهم ووصفهم بقوله


الصفحة التالية
Icon