[ لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ] خطاب توبيخ وتقريع، أى لقد جئناكم أيها الكفار بالحق الساطع المبين، ولكنكم كنتم كارهين لدين الله مشمئزين منه، لكونه مخالفا لأهوائكم وشهواتكم قال الرازي : هذا كالعلة لما ذكر، والمراد نفرتهم عن محمد وعن القرآن، وشدة بغضهم لقبول الدين الحق
[ أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ] الكلام عن كفار قريش أى هل أحكم هؤلاء المشركون أمرا في كيد محمد (ص) فإنا محكمون أمرنا في نصرته وحمايته، وإهلاكهم وتدميرهم قال مقاتل : نزلت في تدبيرهم المكر بالنبي (ص) في دار الندوة
[ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ] اي أم يظنون أنا لا نسمع ما حدثوا به أنفسهم، وما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي قال في التسهيل : السر ما يحدث به الإنسان نفسه أو غيره في خفية، والنجوى ما تكلموا به بينهم
[ بلى ورسلنا لديهم يكتبون ] أى بلى إنا نسمع سرهم وعلانيتهم، وملائكتنا الحفظة يكتبون عليهم أعمالهم، روي إنها نزلت في " الأخنس بن شريق " و " الأسود بن عبد يغوث " اجتمعا فقال الأخنس : أترى الله يسمع سرنا فقال الآخر : يسمع نجوانا ولا يسمع سرنا
[ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ] أى قل يا محمد لهولاء المشركين : لو فرض أن لله ولدا، لكنت أنا أول من يعبد ذلك الولد، ولكنه جد وعلا منزه عن الزوجة والولدد قال القرطبي : وهذا كما تقول لمن تناظره : إن ثبت ما قلت بالدليل فأنا أول من يعتقده، وهذا مبالغة في الاستبعاد، وترقيق في الكلام وقال الطبري : هو ملاطفة في الخطاب وقال الببضاوي : ولا يلزم من هذا الكلام صحة وجود الولد وعبادته له، بل المراد نفيهما على أبلغ الوجوه، وإنكاره للولد ليس للعناد والمراء، بل لو كان لكان أولى الناس بالاعتراف به، فإن النبي يكون أعلم بالله، وبما يصح له وما لا يصح (( هذا قول جيد وهو الصحيح فى معنى الآية، وقيل " إن " بمعنى " ما " أي ما كان للرحمن ولد وتم الكلام ثم ابتدأ فقال :﴿فأنا أول العابدين﴾، وهذا قول ضعيف )).
[ سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون ] أى تنزه وتقدس الله العظيم الجليل، رب السموات والأرض، ورب العرش العظيم، عما يصفه به الكافرون من نسبة الولد إليه
[ فذرهم يخوضوا ويلعبوا ] أى اترك كفار مكة في جهلهم وضلالهم، يخوضوا في باطلهم ويلعبوا بدنياهم
[ حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ] أى إلى ذلك اليوم الرهيب الذي وعدوه - وهو يوم القيامة - فسوف يعلمون حينئذ كيف يكون حالهم ومصيرهم ومآلهم
[ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ] أي هو جل وعلا معبود في السماء، ومعبود في الأرض، لأنه هو الإله الحق، المستحق للعبادة في السماء والأرض قال في التسهيل : أى هو الإله لأهل الأرض وأهل السماء وقال ابن كثير : أى هو إله من في السماء وإله من في الأرض، يعبده أهلهما، وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه
[ وهو الحكيم العليم ] أى هو الحكيم في تدبير خلقه، العليم بمصالحهم، وهذا كالدليل على وحدانيته تعالى
[ وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما ] أى تمجد وتعظم الله الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات، من الإنس واآلجن والملائكة، فهو الخالق والمالك والمتصرف في الكائنات، بلا ممانعة ولا مدافعة
[ وعنده علم الساعة ] أى وعنده وحده علم زمان قيام الساعة
[ وإليه ترجعون ] أي وإليه لا إلى غيره مرجع الخلائق للجزاء، فيجازي كلا بعمله
[ ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ] أي ولا يملك أحد ممن يعبدونهم من دون الله أن يشفع عند الله لأحد، لأنه لا شفاعة إلا بإذنه
[ إلا من شهد بالحق ] أى إلا لمن شهد بالحق، وآمن عن علم وبصيرة، فإنه تنفع شفاعته عند الله


الصفحة التالية
Icon