[ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ] أي فانتظر يا محمد عذابهم يوم تأتي السماء بدخان كثيف، بين واضح، يراه كل أحد قال ابن مسعود : إن قريشا لما عصت الرسول (ص) دعا عليهم فقال :" اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف، وكان الرجل يحدث أخاه فيسمع صوته ولا يراه لشدة الدخان المنتشر بين السماء والأرض، ثم قال ابن مسعود :(أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة ؟ خمس قد مضين : الدخان، والروم، والقمر، والبطشة، واللزام " وقال ابن عباس : لم يمض الدخان بل هو من أمارات الساعة، وهو يأتي قبيل القيامة، يصيب المؤمن منه مثل الزكام، وينضج رءوس الكافرين والمنافقين، حتى يصبح رأس الواحد كالرأس المشوي، ويغدو كالسكران، فيملأ الدخان جوفه، ويخرج من منخريه وأذنيه ودبره
[ يغشى الناس هذا عذاب أليم ] أي يشمل كفار قريش ويعمهم من كل جانب ويقولون حين يصيبهم الدخان : هذا عذاب أليم
[ ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ] أي ويقولون مستغيثين : ربنا ارفع عنا العذاب فإننا مؤمنون بمحمد وبالقرآن إن كشفته عنا قال البيضاوي : وهذا وعد بالإيمان إن كشف العذاب عنهم
[ أنى لهم الذكرى ] استبعاد لإيمانهم أي من أين يتذكرون ويتعظون عند كشف العذاب
[ وقد جاءهم رسول مبين ] استبعاد لإيمانهم أي والحال إنه قد أتاهم رسول بين الرسالة، مؤيد بالبينات الباهرة، والمعجزات القاهرة، ومع هذا لم يؤمنوا به ولم يتبعوه ؟
[ ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ] أي ثم أعرضوا عنه وبهتوه، ونسبوه إلى الجنون - وحاشاه - فهل يتوقع من قوم هذه صفاتهم، أن يتأثروا بالعظة والتذكير قال الإمام الفخر : إن كفار مكة كان لهم في ظهور القرآن على محمد (ص) قولان : منهم من كان يقول : إن محمدا لتعلم هذا الكلام من بعض الناس، ومنهم من كان يقول : إنه مجنون والجن تلقى عليه هذا الكلام حال تخبطه
[ إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ] أي سنكشف عنكم العذاب زمنا قليلا، ثم تعودون إلى ما كنتم عليه من الشرك والعصيان قال الرازي : والمقصود التنبيه على أنهم لا يوفون بعهدهم، وأنهم في حال العجز والخوف يتضرعون إلى الله تعالى، فإذا زال الخوف عادوا إلى الكفر وتقليد الأسلاف قال ابن مسعود : لما كشف عنهم العذاب باستسقاء النبي (ص) عادوا إلى تكذيبه
[ يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ] أي واذكر يوم نبطش بالكفار بطشتنا الكبرى انتقاما منهم، والبطش : الأخذ بقوة وشدة قال ابن مسعود :" البطشة الكبرى " يوم " بدر " وقال ابن عباس : هي يوم القيامة قال ابن كثير : والظاهر أن ذلك يوم القيامة، وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضاوقال الرازي : القول الثانى أصح لأن يوم بدر لا يبلغ هذا المبلغ الذي يوصف به هذا الوصف العظيم، ولأن الانتقام التام إنما يحصل يوم القيامة، ولما وصف بكونها " كبرى " وجب أن تكون أعظم أنواع البطش على الإطلاق، وذلك إنما يكون في القيامة.. ثم ذكر تعالى كفار قريش بما حل بالطاغين من قوم فرعون فقال
[ ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ] أي ولقد اختبرنا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون وهم أقباط مصر
[ وجاءهم رسول كريم ] أي وجاءهم رسول شريف الحسب والنسب، من أكرم عباد الله، وهو موسى الكليم عليه أفضل الصلاة والتسليم
[ أن أدوا إلى عباد الله ] أي فقال لهم موسى : ادفعوا إلى عباد الله، وأطلقوهم من العذاب، يريد بني إسرائيل كقوله تعالى [ فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم ]
[ إني لكم رسول أمين ] أي إني رسول مؤتمن على الوحي غير متهم، وأنا لكم ناصح آمين، فاقبلوا نصحي
[ وإن لا تعلوا على الله ] أي لا تتكبروا على الله، ولا تترفعوا عن طاعته


الصفحة التالية
Icon