لما حذر تعالى من الشرك، وأكده بوصايا لقمان الحكيم في الإيمان ومكارم الأخلاق، ذكر هنا الأدلة الساطعة، والبراهين القاطعة على وحدانيته تعالى، ونبه بالصنعة على الصانع، وبالنعمة على المنعم، وما له من نعم لا تحص، من تسخير السموات بما فيها من (الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب ) وتسخير الأرض وما فيها من (الحيوان، والنبات، والمعادن، والبحار) وغير ذلك من الأدلة الشاهدة على وحدانيته، وختم السورة الكريمة ببيان ذكر " المغيبات الخمس " التى اختص الله عز وجل بعلمها، لينبه على سعة علمه سبحانه.
اللغة :
[ اسبغ ] أتم وأكمل يقال : سبغت النعمة سبوغا إذا تمت
[ استمسك ] تمسك وتعلق واعتصم
[ نفدت ] فنيت وفرغت
[ يولج ] يدخل والإيلاج : الإدخال ومنه
[ حتى يلج الجمل فى سم الخياط ]
[ الفلك ] السفن
[ كالظلل ] الظلل : جمع ظلة وهي كل ما اظلك من جبل أو سحاب
[ ختار ] الختار : الغدار، والختر : أسوء الغدر، قال الشاعر : فإنك لو رأيت آبا عمير ملأت يديك من غدر وختر
[ الغرور ] ما يغر ويخدع من شيطان وغيره، وغره الأمل : خدعه.
التفسير :
[ ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما فى الأرض ] أى ألم تعلموا أيها الناس أن الله العظيم الجليل، سخر لكم ما في السموات : من شمس وقمر ونجوم، لتنتفعوا بها، وسخر لكم ما في الأرض : من جبال وأشجار وثمار وأنهار، وغير ذلك مما لا يكاد يحصى
[ وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ] أى وأتتم عليكم أيها الناس نعمه العديدة، الظاهرة المرئية، كنعمة السمع والبصر، والصحة والإسلام، والباطنة الخفية كالقلب والعقل، والفهم والمعرفة، وما أشبه ذلك، قال البيضاوي : أى أسبغ عليكم نعمه المحسوسة والمعقولة، مما تعرفونه وما لا تعرفونه
[ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ] أى ومن الناس أناس جاحدون، يخاصمون ويجادلون فى توحيد الله وصفاته، بغير علم ولا فهم، ولا حجة ولا برهان، ولا كتاب منزل من عند الله، قال القرطبي : نزلت في يهودي جاء إلى النبى (ص) فقال يا محمد : أخبرني عن ربك من أي شيء هو ؟ فجاءت صاعقة فأخذته (( وقيل : نزلت في " النضر بن الحارث " و " أبي بن خلف " وأشباههما الذين كانوا يجادلون النبي (ص) في وحدانيته تعالى وصفاته، من غير علم عقلي ولا دليل شرعي ))، والمنير : الواضح البين، المنقذ من ظلمة الجهل والضلال
[ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ] أى وإذا قيل لهؤلاء المجادلين بالباطل : اتبعوا ما أنزل الله على رسوله، وصدقوا به، فأنه يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال
[ قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه أباءنا ] أى قالوا : نسيرعلى طريقة آبائنا، ونقتدي بهم في عبادة الأوثان والأصنام
[ أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ] الاستفهام للإنكار والتوبيخ، أى أيتبعونهم ولو كانوا ضالين، حتى ولو كان الشيطان يدعوهم إلى النار المستعرة، ذات العذاب الشديد ؟
[ ومن يسلم وجهه إلى الله ] أى ومن يقبل على طاعة الله، ويستسلم لأوامره، ويخلص قصده وعبادته لله
[ وهو محسن ] أى وهو مؤمن موحد، قال القرطبي : لأن العبادة من غير إحسان، ولا معرفة القلب، لا تنفع شيئا، ونظير هذه الآية [ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ] فلابد من الإيمان والإحسان
[ فقد استمسك بالعروة الوثقى ] أى تمسك بحبل لا انقطاع له، ولعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب، قال صاحب الكشاف : هذا من باب التمثيل، مثلت حال المتوكل، بحال من تدلى من شاهق، فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة، من حبل متين مأمون انقطاعه وقال الرازي : أوثق العرى جانب الله، لأن كل ما عداه هالك منقطع، وهو باقي لا انقطاع له