[ إنهم كانوا مجرمين ] تعليل للإهلاك أي أهكلناهم ودمرناهم بسبب إجرامهم، وفيه وعيد وتهديد لقريش أن يفعل الله بهم، كما فعل بقوم تبع والمكذبين.. ثم نبه تعالى إلى دلائل البعث وهو خلق العالم بالحق فقال سبحانه
[ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ] أي وما خلقنا هذا الكون وما فيه من المخلوقات البديعة لعبا وعبثا
[ ما خلقناهما إلا بالحق ] أي ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات إلا بالعدل، والحق المبين، لنجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته
[ ولكن أكثرهم لا يعلمون ] اي ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك، فينكرون البعث والجزاء، قال المفسرون : إن الله تعالى خلق النوع الإنساني، وخلق ما ينتظم به أسباب معاشهم، من السقف المرفوع، والمهاد المفروش، وما بينهما من عجائب المصنوعات، وبدائع المخلوقات، ثم كلفهم بالإيمان والطاعة، فآمن البعض وكفر البعض، فلابد إذا من دار جزاء يثاب فيها المحسن، ويعاقب فيها المسيء، لتجزى كل نفس بما كسبت، ولو لم يحصل البعث والجزاء، لكان هذا الخلق لهوا وعبثا، وتنزه الله عن ذلك، ولهذا قال بعده
[ إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ] آي أن يوم القيامة موعد حساب الخلائق أجمعين، سمي [ يوم الفصل ] لأن الله تعالى يفصل فيه بين الخلق، كما قال تعالى [ يوم القيامة يفصل بينكم ]
[ يوم لا يغني مولى عن مولى شيئأ ولا هم ينصرون ] أي في ذلك اليوم الرهيب، لا يدفع قريب عن قريبه، ولا صديق عن صديقه، ولا ينفع أحد أحدا، ولا ينصره ولو كان قريبه، كقوله [ يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جازى عن والده شيئا ]
[ إلا من رحم الله ] استثناء متصل أي لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين، فإنه يؤذن لهم في شفاعة بعضهم لبعض وقيل : منقطع أي لكن من رحمه الله فإنه يشفع وينفع قال ابن عباس : يريد المؤمن فإنه تشفع له الأنبياء والملائكة
[ إنه هو العزيز الرحيم ] أي هو المنتقم من أعدائه، الرحيم بأوليائه.. ولما ذكر الأدلة على القيامة، أردفه بوصف ذلك اليوم العصيب، فذكر وعيد الكفار أولا ثم وعد الأبرار ثانيا، للجمع بين الترهيب والترغيب فقال
[ إن شجرت الزقوم طعام الأثيم ] أي إن هذه الشجرة الخبيثة - شجرة الزقوم - التي تنبت في أصل الجحيم، طعام كل فاجر، ليس له طعام غيرها قال أبو حيان : الأليم صفة مبالغة وهو الكثير الآثام، وفسر بالمشرك
[ كالمهل يغلي فى البطون ] أي هي في شناعتها وفظاعتها إذا أكلها الإنسان، كالنحاس المذاب الذي تناهى حره، فهو يجرجر في البطن
[ كغلي الحميم ] أي كغليان الماء الشديد الحرارة قال القرطبي : وشجرة الزقوم هي الشجرة التي خلقها الله فى جهنم، وسماها الشجرة الملعونة، فإذا جاع أهل النار ألجئوا إليها فأكلوا منها، فغلت في بطونهم كما يغلي الماء الحار، وشبه تعالى ما يصير منها إلى بطونهم بالمهل وهو النحاس المذاب، والمراد بالأثيم : الفاجر ذو الإثم وهو " أبو جهل "، وذلك أنه كان يقول : يعدنا محمد أن في جهنم الزقوم، وإنما هو الثريد بالزبد والتمر، ثم يأتي بالزبد والتمر يقول لأصحابه : تزقموا، سخرية واستهزاء بكلام الله، قال تعالى
[ خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ] أي يقال للزبانية : خذوا هذا الفاجر اللئيم، فسوقوه وجروه من تلابيبه بعنف وشدة إلى وسط الجحيم
[ ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ] أي ثم صبوا فوق رأس هذا الفاجر، عذاب ذلك الحميم الذي تناهى حره