روي أن أبا جهل طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة، فتحدثا في شأن النبى (ص) فقال أبو جهل : والله إني لأعلم أنه لصادق، فقال له : مه، وما دل على ذلك ؟ فقال يا أبا عبد شمس : كنا نسميه في صباه الصادق الأمين، فلما تم عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن والله إني لأعلم أنه لصادق، قال : فما يمنعك ان لصدقه وتؤمن به ؟ قال : تتحدث عني بنات قريش أني اتبعت يتيم آبي طالب من أجل كسرة، واللات والعزى لاأتبعه أبدا فنزلت [ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه.. ] الآية.
التفسير :
[ أم حسب الذين اجترحوا السيئات ] الاستفهام للإنكار والمعنى هل يظن الكفار الفجار، الذين اكتسبوا المعاصي والآثام
[ أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي أن نجعلهم كالمؤمنين الأبرار
[ سواء محياهم ومماتهم ] أي نساوي بينهم في المحيا والممات ؟ لا يمكن أن نساوي بين المؤمنين والكفار، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإن المؤمنين عاشوا على التقوى والطاعة، والكفار عاشوا على الكفر والمعصية، وشتان بين الفريقين كقوله تعالى [ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ] قال مجاهد : المؤمن يموت مؤمنا ويبعث مؤمنا، والكافر يموت كافرا ويبعث كافرا
[ ساء ما يحكمون ] أي ساء حكمهم في تسويتهم بين أنفسهم وبين المؤمنين قال ابن كثير : ساء ما ظنوا بنا وبعدلنا، أن نساوي بين الأبرار والفجار، فكما لا يجتبى من الشوك العنب، كذلك لا ينال الفخار منازل الأبرار
[ وخلق الله السموات والأرض بالحق ] أي وخلق الله السموات والأرض بالعدل والأمر الحق ليدل بهما على قدرته ووحدانيته
[ ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ] أي ولكي يجزى كل إنسان بعمله، وبما اكتسب من خير أو شر، دون أن ينقص في ثواب المؤمن أو يزاد في عذاب الكافر قال شيخ زاده : لما خلق تعالى السموات والأرض لأجل إظهار الحق والعدل، وكان خلقهما من جملة حكمته وعدله، لزم من ذلك أن ينتقم من الظالم للمظلوم، فثبت بذلك حشر الخلائق للحساب
[ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ] أي أخبرني يا محمد عن حال من ترك عبادة الله وعبد هواه ! ! قال في البحر : أي هو مطواع لهوى نفسه، يتبع ما تدعوه إليه، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه قال ابن عباس : ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئا إلا ركبه
[ وأضله الله على علم ] أي وأضل الله ذلك الشقي، في حال كونه عالما بالحق غير جاهل به، فهو أشد قبحا وشناعة ممن يضل عن جهل، لأنه تعرض عن الحق والهدى عنادا، كقوله تعالى [ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ]
[ وختم على سمعه وقلبه ] أي وطبع على سمعه وقلبه، بحيث لا يتأثر بالمواعظ، ولا يتفكر في الآيات والنذر
[ وجعل على بصره غشاوة ] أي وجعل على بصره غطاء حتى لا يبصر الرشد، ولا يرى حجة يستضيء بها
[ فمن يهديه من بعد الله ] ؟ أي فمن الذي يستطيع أن يهديه بعد أن أضله الله ؟ لا أحد يقدر على ذلك إلا الله
[ أفلا تذكرون ] أي أفلا تعتبرون أيها الناس وتتعظون ؟ قال الصاوي : وصف تعالى الكفار بأربعة أوصاف : الأول : عبادة الهوى، الثاني : ضلالهم على علم الثالث : الطبع على أسماعهم وقلوبهم الرابع : جعل الغشاوة على أبصارهم، وكل وصف منها مقتض للضلالة، فلا يمكن إيصال الهدى إليهم بوجه من الوجوه.. ثم حكى تعالى عن المشركين شبهتهم في إنكار القيامة، وفي إنكار الإله القادر العليم، فقال سبحانه