[ وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ] أي ولا أدري بما يقضي الله على وعليكم، فإن قدر الله مغيب
[ إن أتبع إلا ما يوحى إلى ] أي لا أتبع إلا ما ينزله الله على من الوحي، ولا ابتدع شيئا من عندي
[ وما أنا إلا نذير مبين ] أي وما انا إلا رسول منذر لكم من عذاب الله، بين الإنذار بالشواهد الظاهرة، والمعجزات الباهرة
[ قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به ] أي قل يا محمد : أخبروني يا معشر المشركين إن كان هذا القرآن كلام الله حقا، وقد كذبتم به وجحدتموه ! ! وجوابه محذوف تقديره : كيف يكون حالكم ؟
[ وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ] أي وقد شهد رجل من علماء بني إسرائيل على صدق القرآن، فآمن به واستكبرتم أنتم عن الإيمان، كيف يكون حالكم، ألستم أضل الناس ؟ قال الزمخشري : وجواب الشرط محذوف تقديره : إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين ؟ ودل على هذآ المحذوف قوله تعالى
[ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ] أي لا يوفق للخير والإيمان من كان فاجرا ظالما قال المفسرون : والشاهد من بني إسرائيل هو (عبد الله بن سلام ) رئيس أحبار اليهود، وسيدهم وأعلمهم، وذلك حين قدم رسول الله (ص) المدينة جاء إليه ابن سلام ليمتحنه، فلما نظر إلى وجهه علمه إنه ليس بوجه كذاب، وتأمله فتحقق أنه هو النبي المنتظر، فقال له : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه ؟ فلمأ أجابه (ص) قال : أشهد أنك رسول الله حقا. فآمن به (ص) وحسن إسلامه، وقصته مشهورة، وكان (ص) يثني عليه ويقول : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عبد الله بن سلام.. إلخ ثم رد تعالى على شبهة أخرى من شبه المشركين فقال
[ وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ] أي وقال كفار مكة في حق المؤمنين : لو كان هذا القرآن والدين خيرا، ما سبقنا إليه هؤلاء الفقراء الضعفاء! ! قال ابن كثير : يعنون " بلالا " و " عمارا " و " صهيبا، و " خبابآ " وأشباههم من المستضعفين والعبيد والإماء من أسلم وآمن بالنبي (ص)
[ وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ] أي ولما لم يهتدوا بالقرآن مع وضوح إعجازه، قالوا هذا كذب قديم مأثور عن الأقدمين، أتى به محمد ونسبه إلى الله تعالى
[ ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ] أي ومن قبل القرآن التوراة التي أنزلها الله على موسى قدوة يؤتم بها قي دين الله وشرائعه كما يؤتم بالإمام، ورحمة لمن آمن بها وعمل بما فيها قال الإمام الفخر : ووجه تعلق الآية بما قبلها أن المشركين طعنوا في صحة القرآن، وقالوا لو كان خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء الضعفاء الصعاليك، فرد الله عليهم بأنكم لا تنازعون أن الله أنزل التوراة على موسى، وجعل هذا الكتاب - التوراة - إماما يقتدى به، ثم إن التوراة مشتملة على البشارة بمحمد (ص) فإذا سلمتم كونها من عند الله، فاقبلوا حكمها بأن محمدا (ص) رسول حقا من عند الله
[ وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا ] أي وهذا القرآن كتاب عظيم الشأن، مصدق للكتب قبله بلسان عربي فصيح، فكيف ينكرونه وهو أفصح بيانا، وأظهر برهانا، وأبلغ إعجازا من التوراة
[ لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ] أي ليخوف كفار مكة الظالمين من عذاب الجحيم، ويبشر المؤمنين المحسنين بجنات النعيم.. ولما بين تعالى أحوال المشركين المكذبين بالقرآن، أردفه بذكر أحوال المؤمنين المستقيمين على شريعة الرحمن، فقال سبحانه :
[ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ] أي جمعوا بين الإيمان والتوحيد والاستقامة على شريعة الله
[ فلا خوف عليهم ] أي فلا يلحقهم مكروه في الآخرة يخافون منه


الصفحة التالية
Icon