[ أولئك الذين حق عليهم القول ] أي أولئك المجرمون هم الذين حق عليهم قول الله، بأنهم أهل الجحيم قال القرطبي : أي وجب عليهم العذاب وهي كلمة الله كما في الحديث (هؤلاء في النار ولا أبالي )
[ في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ] أي في جملة أمم من أصحاب النار، قد مضت قبلهم من الكفرة الفجار، من الجن والإنس
[ إنهم كانوا خاسرين ] أي كانوا كافرين لذلك ضاع سعيهم وخسروا آخرتهم، وهو تعليل لدخولهم جهنم قال الإمام الفخر : قال بعضهم : إن الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قبل إسلامه، والصحيح أنه لا يراد بالآية شخص معين، بل المراد منها كل من كان موصوفا بهذه الصفة، وهو كل من دعاه أبواه إلى الدين الحق فأباه وأنكره، ويدل عليه أن الله تعالى وصف هذا الذي قال لوالديه [ أف لكما ] بأنه من الذين حق عليهم القول بالعذاب، ولا شك أن (عبد الرحمن ) آمن وحسن إسلامه، وكان من سادات المسلمين، فبطل حمل الآية عليه (( وهذا اختيار المحققين من المفسرين كابن كثير والقرطبي وابي السعود وصاحب البحر المحيط، وهو يرد على الرواية التي ذكرها البخاري في صحيحه أن (مروان ) استعمله معاوية على الحجاز، فخطب فى الناس يدعوهم إلى البيعة (ليزيد بن معاوية) لكي يبايع له بعد أبيه، فعارضه عبد الرحمن وقال له : أجعلتموها هرقلية ! ! ققال مروان للجنود : خذوه - أي اقبضوا عليه - فدخل بيت أخته " عائشة " رضى الله عنها، فلم يستطيعوا إمساكه، فقال عند ذلك مروان : إن هذا الذي أنزل الله فيه ﴿والذي قال لوالديه أف لكما﴾ فسمعته عائشة من وراء الحجاب، فكذبته وقالت :" ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن، إلا أن الله أنزل براءتي " ! ! )).
[ ولكل درجات مما عملوا ] أي لكل من المؤمنين والكافرين مراتب ومنازل بحسب أعمالهم، فمراتب المؤمنين في الجنة عالية، ومراتب الكافرين في جهنم سافلة
[ وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ] أي وليعطيهم جزاء أعمالهم وافية كاملة، المؤمنون بحسب الدرجات، والكافرون بحسب الدركات، من غير نقصان بالثواب، ولا زيادة في العقاب.
قال الله تعالى :[ ويوم يعرض الذين كفروا على النار.. ] إلى قوله [ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ] من آية ( ٢٠ ) إلى آية (٣٩) نهاية السورة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى أحوال بعض الأشقياء، أعقبه بذكر حال الكفار الفجار في الآخرة، ثم ذكر قصة عاد الذين أهلكهم الله بطغيانهم مع ما كانوا عليه من القوة والشدة، تذكيرا لكفار قريش بعاقبة التكذيب والطغيان، وختم السورة الكريمة بقصة النفر من الجن الذين آمنوا بالقرآن حين سمعوه ودعوا قومهم إلى الإيمان بالله الواحد الأحد.
اللغة :
[ الهون ] الهوان والذل
[ آلأحقاف ] الرمال العظيمة جمع حقف وهو ما استطال من الرمل العظيم واعوخ، والأحقاف ديار عاد
[ لتأفكنا ] لتصرفنا وتزيلنا، والإفك : الكذب
[ عارضا ] سحابا يعرض في الأفق
[ تدمر ] تهلك، والتدمير الهلاك وكذلك الدمار
[ صرفنا ] بعثنا ووجهنا
[ يعى ] يضعف ويعجز من الإعياء وهو التعب والعجز.
التفسير :
[ ويوم يعرض الذين كفروا على النار ] أي وذكرهم يا أيها الرسول يوم يكشف الغطاء عن نار جهنم، وتبرز للكافرين فيقربون منها وينظرون إليها
[ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ] في الكلام حذف أي ويقال لهم تقريعا وتوبيخا : أذهبتم طيباتكم أي لقد نلتم وأصبتم لذائذ الدنيا وشهواتها، فلم يبق لكم نصيب اليوم في الآخرة قال في البحر : والطيبات هنا المستلذات من المآكل والمشارب، والملابس والمفارش، والمراكب والمواطىء، وغير ذلك مما يتنعم به أهل الرفاهية