[ واستمتعتم بها ] أي وتمتعتم بتلك اللذائذ والطيبات في الدنيا قال المفسرون : المراد بالآية إنكم لم تؤمنوا حتى تنالوا نعيم الآخرة، بل اشتغلتم بشهوات الدنيا ولذائذها، عن الإيمان والطاعة، وافنيتم شبابكم في الكفر والمعاصي، وآثرتم الفاني على الباقي، فلم يبق لكم بعد ذلك شيء من النعيم، ولهذا قال بعده
[ فاليوم تجزون عذاب الهون ] أي ففي هذا اليوم - يوم الجزاء - تنالون عذاب الذل والهوان
[ بما كننم تستكبرون في الأرض بغير الحق ] أي بسبب استكباركم في الدنيا عن الإيمان وعن الطاعة
[ وبما كنتم تفسقون ] أي وبسبب فسقكم وخروجكم عن طاعة الله، وارتكاب الفجور والآثام قال الإمام الفخر : وهذه الآية لا تدل على المنع من التنعم، لأن هذه الآية وردت في حق الكافر، وإنما وبخ الله الكافر، لأنه يتمتع بالدنيا ولا يؤدى شكر المنعم، بطاعته والإيمان به، وأما المؤمن فإنه يؤدى بإيمانه شكر المنعم فلا يوبخ بتمتعه، ودليله قوله تعالى [ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ] ! ! نعم لا ينكر أن الاحتراز عن التنعم أولى، وعليه يحمل قول عمر :(لو شئت لكتمت أطيبكم طعاما، وأحسنكم لباسا، ولكنى استبقي طيباتي لحياتي الآخرة) وقال في التسهيل : الآية في الكفار بدليل قوله تعالى [ ويوم يعرض الذين كفروا ] وهي مع ذلك واعظة لأهل التقوى من المؤمنين، ولذلك قال عمر لجابر بن عبد الله - وقد رآه اشترى لحما : أو كلما اشتهى أحدكم شيئا جعله في بطنه ! أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية ؟ ممن قال الله فيهم [ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ]
[ واذكر أخا عاد ] أي اذكر يا محمد لهؤلاء المشركين قصة نبي الله (هود) عليه السلام مع قومه عاد ليعتبروا بها
[ إذ أنذر قومه بالأحقاف ] أي حين حذر قومه من عذاب الله أن لم يؤمنوا، وهم مقيمون بالأحقاف - وهي تلال عظيمة من الرمل في بلاد اليمن - قال ابن كثير : الأحقاف جمع حقف وهو الجبل من الرمل، قال قتادة : كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : الشحر
[ وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ] أي وقد مضت الرسل بالإنذار، من قبل هود ومن بعده، والجملة اعتراضية وهي اخبار من الله تعالى أنه قد بعث رسلا متقدمين قبل هود وبعده
[ ألا تعبدوا إلا الله ] أي حذرهم هود عليه السلام قائلا لهم : بأن لا تعبدوا إلا الله
[ إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ] أي إني أخاف عليكم إن عبدتم غير الله، عذاب يوم هائل شديد، وهو يوم القيامة
[ قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا ] أي قالوا جوابا لإنذاره : أجئتنا يا هود لتصرفنا عن عبادة آلهتنا ؟ وهو استفهام، يراد منه التسفيه والتجهيل لما دعاهم إليه
[ فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ] أي فأتنا بالعذاب الذي وعدتنا به، إن كنت صادقا فيما تقول قال ابن كثير : استعجلوا عذاب الله وعقوبته، استبعادا منهم لوقوعه
[ قال إنما العلم عند الله ] أي قال لهم هود : ليس علم وقت العذاب عندي إنما علمه عند الله
[ وأبلغكم ما أرسلت به ] أي وإنما أنا مبلغ ما أرسلني به الله إليكم
[ ولكنى أراكم قوما تجهلون ] أي قوما جهلة سفهاء، لا تعرفون عقاب الله، ولذلك تستعجلون العذاب
[ فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم ] أي فلما رأوا السحاب معترضا في أفق السماء، متجها نحو أوديتهم استبشروا به
[ قالوا هذا عارض ممطرنا ] أي وقالوا هذا السحاب يأتينا بالمطر قال المفسرون : كانت عاد قد أبطأ عنهم المطر، وقحطوا مدة طويلة من الزمن، فلما رأوا ذلك السحاب العارض ظنوا أنه مطر ففرحوا به واستبشروا وقالوا : هذا عارض ممطرنا