[ بل هو ما استعجلتم به ] أي قال لهم هود : ليس الأمر كما زعمتم أنه مطر، بل هو ما استعجلتم به من العذاب، ثم فسره بقوله
[ ريح فيها عذاب أليم ] أي هو ريح عاصفة مدمرة، فيها عذاب فظيع مؤلم
[ تدمر كل شيء بأمر ربها ] أي تخرب وتهلك كل شيء أتت عليه، من رجال ومواش وأموال، بأمره تعالى وإذنه قال ابن عباس : أول ما جاءت الريح على قوم عاد، كانت تأتي على الرجال والمواش فترفعهم من الأرض، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم، فهي التى قال الله فيها [ تدمر كل شيء بأمر ربها ] أي تدمر كل شيء مرت عليه من رجال عاد وأموالها، والتدمير الهلاك، وفي الحديث عن عائشة قالت :(كان (ص) إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه، فقلت يا رسول الله : الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال يا عائشة : ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا [ هذا عارض ممطرنا ]
[ فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ] أي فأصبحوا هلكى لا ترى إلا مساكنهم، لأن الريح لم تبين منهم إلا الآثار، والديار خاوية
[ كذلك نجزى القوم المجرمين ] أي بمثل هذه العقوبة الشديدة نعاقب من كان عاصيا مجرما قال الرازي : والمقصود منه تخويف أهل مكة، ولهذا قال بعده
[ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ] " إن " نافية بمعنى " ما " أي ولقد مكنا عادا في الذي لم نمكنكم فيه يا أهل مكة، من القوة، والسعة، وطول الأعمار، وهو خطاب لكفار مكة على وجه التهديد (( ذهب بعض المفسرين إلى أن " إن " زائدة والمعنى ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه أي في مثل الذي مكناكم فيه، والأول ارجح لأن المقصود أنهم كانوا أقوى منكم ومع ذلك ما نجوا من عقاب الله فكيف يكون حالكم ؟ وإنما لم يؤت ب " ما " فيقال : فيما ما مكناكم فيه، دفعا لثقل التكرار ؟ )).
[ وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ] أي وأعطيناهم الأسماع والأبصار والقلوب، ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على الخالق المنعم
[ فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء ] أي فما نفعتهم تلك الحواس أي نفع، ولا دفعت عنهم شيئا من عذاب الله قال الإمام الفخر : المعنى أنا فتحنا عليهم أبواب النعم : أعطيناهم سمعا فما استعملوها في تأمل العبر، وأعطيناهم أفئدة فما استعملوها في طلب معرفة الله، بل صرفوا كل هذه القوى إلى طلب الدنيا ولذاتها، فلا جرم أنها لم تغن عنهم من عذاب الله شيئا
[ إذ كانوا يجحدون بآيات الله ] تعليل لما سبق أي لأنهم كانوا يكفرون وينكرون آيات الله المنزلة على رسله ويكذبون رسله
[ وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ] أي ونزل وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلون به بطريق الاستهزاء
[ ولقد أهلكنا من حولكم من القرى ] تخويف آخر لكفار مكة أي ولقد أهلكنا القرى المجاورة لكم يا أهل مكة والمحيطة بكم، كقرى عاد وثمود وسبأ وقوم لوط، والمراد بإهلاك القرى إهلاك أهلها
[ وصرفنا الأيات لعلهم يرجعون ] أي وكررنا الحجج والدلالات، والمواعظ والبينات، أوضحناها وبيناها لهم، لعلهم يرجعون عن كفرهم وضلالهم ! !
[ فلولا نصرهم الذين اتخدوا من دون الله قربانا آلهة ] أي فهلا نصرتهم آلهتهم التي تقربوا بها إلى الله بزعمهم، وجعلوها شفعاءهم لتدفع عنهم العذاب ؟ " لولا " تحضيضية بمعنى هلا ومعناها النفي أي هلا نفعتهم آلهتهم التي عبدوها من دون الله ؟ أنها لم تنصرهم ولم تدفع عنهم عذاب الله
[ بل ضلوا عنهم ] أي غابوا عن نصرتهم وهم أحوج ما يكونون إليهم، فإن الصديق وقت الضيق، قال ابو السعود : وفي الآية تهكم بهم، كأن عدم نصرهم كان لغيبتهم