[ وأن الله بما تعملون خبير ] أى وأنه تعالى عالم بأحوالكم وأعمالكم، لا تخفى عليه خافية، فإن من شاهد مثل ذلك الصنع الرائق، والتدبير الفائق، لا يكاد يغفل عن كون صانعه جل وعلا محيطا بكل أعماله
[ ذلك بأن الله هو الحق ] أى ذلك الذي شاهدتموه من عجائب الصنع، وباهر القدرة، لتتأكدوا أن الله هو الإله الحق، الذي يجب أن يعبد وحده
[ وأن ما يدعون من دونه الباطل ] أى وأن كل ما يعبدون من دون الله من الأوثان والأصنام، باطل لا حقيقة له، كما قال لبيد :" ألا كل شيء ما خلا الله باطل " فالجميع خلقه وعبيده، ولا يملك أحد منهم تحريك ذرة إلا باذنه
[ وأن الله هو العلي الكبير ] أى وأنه تعالى هو العلى في صنعاته، الكبير في ذاته
[ ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ] تذكير بنعمة أخرى أى ألم تر أيها العاقل، أن السفن العظيمة تسير في البحر بقدرة الله، وبتسخيره ولطفه بالناس وإحسانه إليهم، لتهيئة أسباب الحياة، قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه هو الذي سخر البحر لتجري فيه الفلك بأمره أى بلطفه ولسخيره، فأنه لولا ما جعل فى الماء من قوة يحمل بها السفن ما جرت، ولهذا قال بعده :
[ ليريكم من آياته ] أى ليريكم عجائب صنعه، ودلائل قدرته ووحدانيته
[ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ] أى إن في تسخير هذه السفن، وما تحمله من الطعام والأرزاق والتجارات، لآيات باهرة، وعبرا جليلة، لكل عبد منيب، صبار في الضراء، شكور في الرخاء. ولفظة " صبار " و " شكور " مبالغة في الصبر والشكر
[ وإذا غشيهم موج كالظلل ] أى وإذا علا المشركين وغطاهم وهم في البحر، موج كثيف كالجبال
[ دعوا الله مخلصين له الدين ] أى أخلصوا دعاءهم لله، حين علموا أنه لا منجي لهم غيره، فلا يدعون لخلاصهم سواه
[ فلما نجاهم إلى البر ] أى فلما أنقذهم من شدائد البحر، وأخرجهم إلى شاطىء النجاة في البر
[ فمنهم مقتصد ] في الآية حذف تقديره فمنهم مقتصد، ومنهم جاحد، ودل عليه قوله :[ وما يجحد بآياتنا ] والمقتصد : المتوسط في العمل، قال ابن كثير : وهذا من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال، والأمور العظام، وراى الآيات الباهرة في البحر، ثم بعدما أنعم الله عليه بالخلاص، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والمبادرة إلى الخيرات، والدؤوب في العبادات، فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا
[ وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ] أى وما يكذب بآياتنا إلا كل غدار، مبالغ فى كفران نعم الله تعالى
[ يا أيها الناس اتقوا ربكم ] أى اتقوا ربكم بإمتثال أوامره، واجتناب نواهيه
[ واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ] أى وخافوا يوما رهيبا عصيبا، لا ينفع والد فيه ولده، ولا يدفع عنه مضرة، أو يقضي عنه شيئا مما تحمله
[ ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ] أى ولا ولد يغني أو يدفع عن والده شيئا، أو يقضي عنه شيئا من جنايته ومظالمه، قال الطبري : المعنى لا تنفع عنده الشفاعة والوسائل، إلا وسيلة من صالح الأعمال التي أسلفها في الدنيا
[ إن وعد الله حق ] أى وعده بالثواب والعقاب، والبعث والجزاء حق لا يتخلف
[ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ] أى لا تخدعكم الحياة الدنيا، بمفاتنها ولذاتها فتركنوا إليها
[ ولا يغرنكم بالله الغرور ] أى ولا يخدعنكم الشيطان الماكر، الذي يغرالخلق ويمنيهم بأباطيله، ويلهيهم عن الآخرة
[ إن الله عنده علم الساعة ] هذه هي (مفاتح الغيب ) التي اختص الله بعلمها وهي خمس كما جاء في الحديث الصحيح :" مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله وتلا الآية " أى عنده تعالى معرفة وقت قيام الساعة التي تقوم فيها القيامة
[ وينزل الغيث ] أى وعنده معرفة وقت نزول المطر، ومحل نزوله
[ ويعلم ما في الأرحام ] أى من ذكر أو أنثى، شقي أو سعيد


الصفحة التالية
Icon