[ أضل أعمالهم ] أي أبطلها وأحبطها وجعلها ضائعة لا ثواب لها، لأنها لم تكن لله فبطلت، والمراد أعمالهم الصالحة، كإطعام الطعام، وصلة الأرحام، وقرئ الضيف قال الزمخشري : وحقيقة إضلال الأعمال : جعلها ضالة ضائعة، ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها، كالضالة من الإبل، التي لا رب لها يحفظها ويعتني بأمرها، والمراد أعمالهم التي عملوها في كفرهم، بما كانوا يسمونه " مكارم الأخلاق "، من صلة ا لأرحام، وفك الأسارى، وقرئ الأضياف، وحفظ الجوار
[ والذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي جمعوا بين الإيمان الصادق، والعمل الصالح
[ وآمنوا بما نزل على محمد ] أي صدقوا بما أنزل الله على رسوله محمد (ص) تصديقا جازما لا يخالجه شك ولا ارتياب، وهو عطف خاص على عام، وإلىكتة فيه تعظيم أمره والاعتناء بشأنه، إشارة إلى أن الإيمان لا يتم بدونه، ولذا أكده بقوله
[ وهو الحق من ربهم ] أي وهو الثابت المؤكد المقطوع بأنه كلام الله ووحيه المنزل من عند الله، والجملة اعتراضية لتأكيد السابق
[ كفر عنها سيئاتهم ] أي أزال ومحا عنهم ما مضئ من الذنوب والأوزار
[ وأصلح بالهم ] أي أصلح شأنهم وحالهم، في دينهم ودنياهم.. ثم بين تعالى سبب ضلال الكفار، واهتداء المؤمنين، فقال سبحانه
[ ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ] أي ذلك الإضلال لأعمال الكفار، أنهم سلكوا طريق الضلال، واختاروا الباطل على الحق
[ وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ] أي وأن المؤمنين سلكوا طريق الهدى، وتمسكوا بالحق والإيمان، المنزل من عند الرحمن
[ كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ] أي مثل ذلك البيان الواضح، بين الله أمر كل من الفريقين - المؤمنين والكافرين - بأوضح بيان، وأجلى برهان، ليعتبر إلىاس ويتعظوا، وبعد إعلان هذه الحرب السافرة على الكافرين، أمرتعالى المؤمنين بجهادهم فقال
[ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ] أي فإذا ادركتم الكفار في الحرب، فاحصدوهم حصدا بالسيوف قال في التسهيل : وأصله فاضربوا الرقاب لأنه الغالب في صفة القتل
[ حتى إذا أثخنتموه فشدوا الوثاق ] أي حتى إذا هزمتموهم وأكثرتم فيهم القتل والجراحات، ولم تبق لهم قوة للمقاومة فأسروهم وكفوا عن قتلهم قال الزمخشري : وفي هذه العبارة [ فضرب الرقاب ] من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة، وهو حز العنق، وإطارة رأس البدن، ولقد زاد في هذه الغلظة في قوله تعالى [ فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ] ومعنى [ أثخنتموهم ] أكثرتم قتلهم وأغلظتموه [ فشدوا الوثاق ] أي فأسروهم، والوثاق اسم لما يربط به من حبل وغيره
[ فإما منا بعد وإما فداء ] أي ثم أنتم مخيرون بعد أسرهم، إما أن تمنوا عليهم وتطلقوا سراحهم، بلا مقابل من مال، أو تأخذوا منهم مالا فداء لأنفسهم، ولكن بعد أن تكونوا قد كسرتم شوكتهم، واعجزتموهم بكثرة القتل والجراح
[ حتى تضع الحرب أوزارها ] أي حتى تنقضى الحرب، وتنتهي بوضع الآتها وأثقالها، وتنتهى الحرب بين المسلمين والمناوئين لهم، وذلك بعزة الإسلام واندحار المشركين
[ ذلك ولو يشاء الله لأنتصر منهم ] أي الأمر فيهم ما ذكر، ولو أراد الله لأنتقم منهم وأهلكهم بقدرته، دون ان يكلفكم - أيها المؤمنون - إلى قتالهم قال ابن كثير : أي لو شاء الله لأنتقم من الكافرين، بعقوبة ونكال من عنده
[ ولكن ليبلوا بعضكم ببعض ] أي ولكنه أمركم بجهادهم، ليختبر إيمانكم وثباتكم، فيظهر حال الصادق في الإيمان من غيره، كما قال تعالى [ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ] وليبتلي المؤمنين بالكافرين والكافرين بالمؤمنين، فيصير من قتل من المؤمنين إلى الجنة، ومن قتل من الكافرين إلى النار، ولهذا قال