[ وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك ] أي وكم من أهل قرية عاتية ظالمة (( الكلام على حذف مضاف اي من أهل قرية وهو مجاز مشهور )). كانوا أقوى من أهل مكة الذين أخرجوك منها
[ أهلكناهم فلا ناصر لهم ] أي أهكلناهم بأنواع العذاب فلم ينصرهم أحد، فكذلك نفعل بهؤلاء قال ابن عباس : لما خرج النبى (ص) من مكة واختفى بالغار ثم خرج مهاجرا إلى المدينة، التفت إلى مكة ثم قال " إنك لأحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إلى، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت " فنزلت الآية
[ أفمن كان على بينة من ربه ] أي هل من كان على حجة وبصيرة، وثبات ويقين من أمر دينه
[ كمن زين له سوء عمله ] ؟ أي كمن زين له عمله القبيح فرأه حسنا ؟
[ واتبعوا أهوائهم ] أي انهمكوا في الضلال حتى عبدوا الهوى ؟ ليس هذا كهذا، وإنما جاء بصيغة الجمع مراعاة للمعنى قال المفسرون : يريد ب [ من كان على بينة ] رسول الله (ص) وبمن [ زين له سوء عمله ] أبا جهل وكفار قريش.. واللفظ أعم لأن الغرض المباينة بين من يعبد الله، وبين من يعبد هواه، ولذلك مثل بعده بالفارق الكبير بين الجنة والنار فقال
[ مثل الجنة التى وعد المتقون ] أي صفة الجنة الغريبة العجيبة الشأن، التي وعد الله بها عباده الأبرار، وأعدها للمتقين الأخيار
[ فيها أنهار من ماء غير آسن ] أي فيها أنهار جاريات من ماء غير متغير الرائحة قال ابن مسعود : أنهار الجنة تفجر من جبل من مسك
[ وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ] أي وأنهار جاريات من حليب في غاية البياض والحلاوة والدسامة، لم يحمض بطول المقام، ولم يفسد كما تفسد ألبان الدنيا، وفي حديث مرفوع " لم يخرج من ضروع الماشية "،
[ وأنهار من خمر لذة للشاربين ] أي وأنهار جاريات من خمر لذيذة الطعم، يتلذذ بها الشاربون، لأنها كما قال تعالى [ لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ] وإنما قيدها بأنها لذة للشاربين، لأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا، لا يلتذ بها إلا فاسد المزاج، وأما خمر الآخرة فهي طيبة الطعم والرائحة، يشربها اهل الجنة، لمجرد الإلتذاذ
[ وأنهار من عسل مصفى ] آي وأنهار جاريات من عسل، في غاية الصفاء وحسن اللون والريح، لم يخرج من بطون النحل، قال أبو السعود :[ عسل مصفى ] أي لم يخالطه الشمع وفضلات النحل
[ ولهم فيها من كل الثمرات ] آي ولهم في الجنة أنواع متعددة، من جميع أصناف الفواكه والثمار قال في حاشية البيضاوي : وفي ذكر الثمرات بعد المشروب إشارة إلى أن مأكول أهل الجنة، للذة لا للحاجة
[ ومغفرة من ربهم ] ولهم فوق ذلك النعيم الحسن، نعيم روحي وهو المغفرة من الله مع الرحمة والرضوان، وفي الحديث " أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا " قال الصاوي : في الجنة ترفع عنهم التكاليف فيما يأكلونه ويشربونه، بخلاف الدنيا فإن مأكولها ومشروبها يترتب عليه الحساب والعقاب، ونعيم الآخرة لا حساب عليه ولا عقاب فيه
[ كمن هو خالد في النار ] أي كمن هو مخلد في الجحيم ؟ والاستفهام للإنكار أي لا يستوي من هو في ذلك النعيم المقيم، بمن هو خالد في الجحيم ؟
[ وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ] أي وسقوا مكان تلك الأشربة، ماء حارا شديد الغليان، فقطع أحشاءهم من فرط حرارته ؟ قال المفسرون : بلغ الماء الغاية في الحرارة، إذا دنا منهم شوى وجوههم، ووقعت فروة رءوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم واخرجها من دبورهم ولما بين تعالى حال الكافرين، ذكر حال المنافقين فقال :
[ ومنهم من يستمع إليك ] أي ومن هؤلاء المنافقين جماعة يستمعون إلى حديثك يا محمد
[ حتى إذا خرجوا من عندك ] أي حتى إذا خرجوا من مجلسك