[ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ] أي قد فتحنا لك يا محمد (مكة) فتحا بينا ظاهرا، وحكمنا لك بالفتح المبين على أعدائك، والمراد بالفتح (فتح مكة) وعده الله به قبل أن يكون، وذكره بلفظ الماضي لتحققه، وكانت بشارة عظيمة من الله تعالى لرسوله وللمؤمنين قال الزمخشري : هو فتح مكة، وقد نزلت مرجع رسول الله (ص) عن مكة عام الحديبية، وهو وعد له بالفتح، وجيء به بلفظ الماضي على عادة رب العزة سبحانه في أخباره، لأنها في تحققها وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة، وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن الفتح ما لا يخفى (( وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالفتح " صلح الحديبية " لما ترتب عليه من الآثار العظيمة، من بيعة الرضوان، ومن الصلح الذي عقده رسول الله (ص) مع قريش، ومن دخول كثير في الإسلام، إلى غير ما هنالك، والى هذا ذهب الحافظ ابن كثير )).
[ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ] أي ليغفر لك ربك يا محمد جميع ما فرط منك من ترك الأولى قال أبو السعود : وتسميته ذنبا بالنظر إلى منصبه الجليل وقال ابن كثير : هذا من خصائصه (ص) التي لا يشاركه فيها غيره، وفيه تشريف عظيم لرسول الله (ص) إذ هو أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة، وهو في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة، التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين، ولما كان أطوع خلق الله، بشره الله بالفتح المبين، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
[ ويتم نعمته عليك ] أي ويكمل نعمته عليك بإعلاء الدين ورفع مناره
[ ويهديك صراطا مستقيما ] أي ويرشدك إلى الطريق القويم، الموصل إلى جنات النعيم بما يشرعه لك من الدين العظيم
[ وينصرك الله نصرا عزيزا ] أي وينصرك الله على أعدائك، نصرا قويا منيعا، فيه عزة وغلبة، يجمع لك به بين عز الدنيا والآخرة
[ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ] أي هو جل وعلا الذي جعل السكون والطمأنينة في قلوب المؤمنين
[ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ] أي ليزدادوا يقينا مع يقينهم، وتصديقا مع تصديقهم، برسوخ العقيدة في القلوب، والتوكل على علام الغيوب
[ ولله جنود السموات والأرض ] أي ولله - جلت عظمته - كل جنود السموات والأرض، من الملائكة، والجن، والحيوانات، والصواعق المدمرة، والزلازل، والخسف، والغرق، جنود لا تحصى ولا تغلب، يسلطها على من يشاء قال ابن كثير : ولو أرسل عليهم ملكا واحدا لأباد خضراءهم، ولكنه تعالى شرع لعباده الجهاد، لما له في ذلك من الحجة القاطعة، والحكمة البالغة ولذلك قال
[ وكان الله عليما حكيما ] أي عليما بأحوال خلقه، حكيما في تقديره وتدبيره قال المفسرون : أراد بإنزال السكينة في قلوب المؤمنين هم المؤمنون من " أهل الحديبيةا حين بايعوا رسول الله (ص) على مناجزة الحرب مع أهل مكة، بعد أن حصل لهم ما يزعج النفوس ويزيغ القلوب، من صد الكفار لهم عن دخول مكة، ورجوع الصحابة دون بلوغ مقصودهم، ، فلم يرجع منهم أحد عن الإيمان، بعد أن هاج الناس وماجوا، وزلزلوا حتى جاء عمر بن الخطاب إلى النبى (ص) وقال : ألست نبى الله حقا ؟ قال : بلى، قال : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى، قال : فلم نعط الدنية في ديننا إذن ؟ قال إني رسول الله، ولست أعصيه وهو ناصري.. إلخ.
[ ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ] أي ليدخلهم - على طاعتهم وجهادهم – حدائق وبساتين ناضرة، تجري من تحتها أنهار الجنة ماكثين فيها أبدا
[ ويكفر عنهم سيئاتهم ] أي ويمحو عنهم خطاياهم وذنوبهم


الصفحة التالية
Icon