[ وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ] أي وكان ذلك الإدخال في الجنات، والتكفير عن السيئات، فوزا كبيرا وسعادة لا مزيد عليها، إذ ليس بعد نعيم الجنة نعيم
[ ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ] أي ويعذب الله أهل النفاق الإشراك، وقدمهم على المشركبن، لأنهم أعظم خطرا، وأشد ضررا من الكفار المجاهرين بالكفر
[ الظانين بالله ظن السوء ] أي الظانين بربهم أسوأ الظنون، ظنوا أن الله تعالى لن ينصر رسوله والمؤمنين، وأن المشركين يستأصلونهم جميعا، كما قال تعالى [ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ] قال القرطبي : ظنوا أن النبي (ص) لا يرجع إلى المدينة ولا أحد من أصحابه حين خرج إلى الحديبية
[ عليهم دائرة السوء ] دعاء عليهم أي عليهم ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين من الهلاك والدمار
[ وغضب الله عليهم ولعنهم ] أي سخط تعالى عليهم بكفرهم ونفاقهم، وأبعدهم عن رحمته
[ وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ] أي وهيأ لهم في الآخرة نارا مستعرة هي (نار جهنم) وساءت مرجعا ومنقلب لأهل النفاق والضلال
[ ولله جنود السموات والأرض ] تأكيد للإنتقام من الأعداء أعداء الإسلام من الكفرة والمنافقين. قال الرازي : كرر اللفظ لأن جنود الله قد يكون إنزالهم للرحمة، وقد يكون للعذاب، فذكرهم أولا لبيان الرحمة بالمؤمنين، وثانيا لبيان إنزال العذاب على الكافرين
[ وكان الله عزيزا حكيما ] أي عزيزا في ملكه وسلطانه، حكيما في صنعه وتدبيره قال الصاوي : ذكر هذه الآية أولا في معرض الخلق والتدبير فذيلها بقوله [ عليما حكيما ] وذكرها ثانيا في معرض الإنتقام فذيلها بقوله [ عزيزا حكيما ] وهو في منتهى الترتيب الحسن، لأنه تعالى ينزل جنود الرحمة لنصرة المؤمنين، وجنود العذاب لإهلاك الكافرين.. ثم امتن تعالى على رسوله الكريم بتشريفه بالرسالة، وبعثه إلى كافة الخلق، فقال سبحانه
[ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ] أي إنا أرسلناك يا محمد، شاهدا على الخلق يوم القيامة، ومبشرا للمؤمنين بالجنة، ومنذرا للكافرين من عذاب النار
[ لتؤمنوا بالله ورسوله ] أي أرسلنا الرسول لتؤمنوا أيها الناس، بربكم ورسولكم حق الإيمان، إيمانا عن اعتقاد ويقين، لا يخالطه شك ولا ارتياب
[ وتعزروه ] أي تفخموه وتعظموه
[ وتوقروه ] أي تحترموا وتجلوا أمره، مع التعظيم والتكريم، والضمير فيهما للنبي (ص)
[ وتسبحوه بكرة وأصيلا ] أي تسبحوا ربكم في الصباح والمساء، ليكون القلب متصلا بالله في كل حين وآن.. ثم ذكر تعالى بيعة الرضوان، ورضى الله عن أصحابها فقال سبحانه
[ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ] أي إن الذين يبايعونك يا محمد في الحديبية (بيعة الرضوان ) إنما يبايعون في الحقيقة الله، وهذا تشريف للنبي (ص) حيث جعل مبايعته (ص) بمنزلة مبايعة الله، لأن الرسول في في سفير ومعبر عن الله، قال المفسرون : المراد بالبيعة هنا " بيعة الرضوان " بالحديبية، حين بايع الصحابة رسول الله (ص) على الموت، كما روى الشيخان عن سلمة بن الأكوع أنه قال :(بايعنا رسول الله (ص)على الموت ) وسميت " بيعة الرضوان " لقول الله فيها [ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ]
[ يد الله فوق أيديهم ] قال ابن كثير : أي هو تعالى حاضر معهم، يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى المبايع بواسطة رسوله (ص) وقال الزمخشري : يريد أن يد رسول الله (ص) التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله، والمعنى : أن من بايع الرسول فقد بايع الله، كقوله تعالى [ من يطع الرسول فقد أطاع الله ]


الصفحة التالية
Icon