[ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ] اللام موطنة لقسم محذوف أي والله لقد رضي الله عن المؤمنين، حين بايعوك يا محمد " بيعة الرضوان " تحت ظل الشجرة بالحديبية قال المفسرون : كان سبب هذه البيعة أن رسول الله (ص) لما بلغ الحديبية، أرسل (عثمان بن عفان ) إلى أهل مكة يخبرهم أنه إنما جاء معتمرا، وأنه لا يريد حربا، فلما ذهب عثمان حبسوه عندهم، وجاء الخبر إلى رسول الله (ص) أن عثمان قد قتل، فدعا رسول الله (ص) الناس إلى البيعة، على أن يدخلوا مكة حربا، وبايعوه على الموت، فكانت (بيعة الرضوان ) فلما بلغ المشركين ذلك أخذهم الرعب وأطلقوا عثمان، وطلبوا الصلح من رسول الله (ص) على أن يأتي في العام القابل، ويدخلها ويقيم فيها ثلاثة أيام، وكانت هذه البيعة تحت شجرة سمرة بالحديبية وقد سميت (بيعة الرضوان) ولما رجع المسلمون يعلوهم الحزن والكآبة، أراد الله تسليتهم وإذهاب الحزن عنهم، فأنزل هذه السورة على رسوله (ص) بعد مرجعه من الحديبية، فكانت فرحة لهم وأنسا [ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ] وكان عدد الذين بايعوا رسول الله (ص) ألفا وأربعمائة رجل، وفيهم نزلت الآية الكريمة [ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ] ولم يتخلف عن البيعة إلا " الجذ بن قيس " وكان من المنافقين، وحضر هذه البيعة " روح القدس " جبريل الأمين، ولهذا سطرت في الكتاب المبين
[ فعلم ما في قلوبهم ] أي فعلم تعالى ما في قلوبهم من الصدق والوفاء، عند مبايعتهم لك على حرب الأعداء
[ فأنزل السكينة عليهم ] أي رزقهم الطمأنينة وسكون النفس عند البيعة
[ وأثابهم فتحا قريبا ] أي وجازاهم على بيعة الرضوان بفتح خيبر، وما فيها من النصر والغنائم، زيادة على ثواب الآخرة
[ ومغانم كثيرة يأخذونها ] أي وجعل لهم الغنائم الكثيرة التى غنموها من خيبر، قال ابن كثير : هو ما أجرى الله عز وجل على أيديهم، من الصلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العائم بفتح خيبر، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم، وما حصل لهم من العز والنصر، والرفعة في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى :
[ وكان الله عزيزا حكيما ] أي غالبا على أمره، حكيما في تدبيره وصنعه، ولهذا نصركم عليهم وغنمكم أرضهم وديارهم وأموالهم
[ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ] أي وعدكم الله معشر المؤمنين - على جهادكم وصبركم - الفتوحات الكثيرة، والغنائم الوفيرة تأخذونها من أعدائكم، قال ابن عباس : هي المغانم التي تكون إلى يوم القيامة قال في البحر : ولقد اتسع نطاق الإسلام، وفتح المسلمون فتوحا لا تحصى، وغنموا مغانم لا تعد، وذلك في شرق البلاد وغربها، حتى في الهند والسودان - تصديقا لوعده تعالى - وقدم علينا أحد ملوك غانة من بلاد التكرور، وقد فتح أكثر من خمسة وعشرين مملكة من بلاد السودان، وأسلموا معه، وقدم علينا ببعض ملوكهم يحج معه
[ فعجل لكم هذه ] أي فعجل لكم غنائم خيبر بدون جهد وقتال
[ وكف أيدي الناس عنكم ] أي ومنع أيدي الناس أن تمتد إليكم بسوء، قال المفسرون : المراد أيدي أهل خيبر وحلفائهم من بني أسد وغطفان، حين جاءوا لنصرتهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب
[ ولتكون آية للمؤمنين ] أي ولتكون الغنائم، وفتح مكة، ودخول المسجد الحرام، علامة واضحة تعرفون بها صدق الرسول، فيما أخبركم به عن الله


الصفحة التالية
Icon