[ ويهديكم صراطا مستقيما ] أي ويهديكم تعالى إلى الطريق القويم، الموصل إلى جنات النعيم، بجهادكم وإخلاصكم قال الإمام الفخر : والآية للإشارة إلى أن ما أعطاهم من الفتح والمغانم، ليس هو كل الثواب، بل الجزاء أمامهم، وإنما هو شىء عاجل، عجله لهم لينتفعوا به، ولتكون آية لمن بعدهم من المؤمنين، تدل على صدق وعد الله، في وصول ما وعدهم به كما وصل إليكم (( وما ذكره ابن كثير هو الراجح وهو اختيار الطبري وأبي حيان، وهو منقول عن قتادة والحسن، ويؤيده أن الله تعالى قال :﴿لم تقدروا عليها﴾ وهذا يدل على تقدم محاولة لفتحها وهو منطبق على " فتح مكة " وقيل إن المراد : فتح فارس والروم، وقيل هوازن في حنين، وما ذكرناه أرجح والله أعلم )).
[ وأخرى لم تقدروا عليها ] أي وغنيمة أخرى يسرها لكم، لم تكونوا بقدرتكم الاستطاعة عليها، ولكن الله بفضله وكرمه فتحها لكم، والمراد بها فتح مكة
[ قد أحاط الله بها ] أي قد استولى الله عليها بقدرته، ووهبها لكم، من غير قتال، فهى كالشيء المحاط به من جوانبه، محبوس لكم لا يفوتكم
[ وكان الله على كل شيء قديرا ] أي قادرا على كل شيء، لا يعجزه شىء أبدا، فهو القادر على نصرة أوليائه، وهزم أعدائه، قال ابن كثير : المعنى : أي وغنيمة أخرى وفتحا آخر معينا، لم تكونوا تقدرون عليها، قد يسرها الله عليكم وأحاط بها لكم، فإنه تعالى يرزق عباده المتقين من حيث لا يحتسبون، والمراد بها في هذه الآية " فتح مكة " وهو اختيار الطبري
[ ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ] تذكير لهم بنعمة أخرى، أي ولو قاتلكم أهل مكة ولم يقع الصلح بينكم وبينهم، لغلبوا وانهزموا أمامكم ولم يثبتوا
[ ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ] أي ثم لا يجدون من يتول امرهم بالحفظ والرعاية، ولا من ينصرهم من عذاب الله
[ سنة الله التي قد خلت من قبل ] أي تلك طريقة الله وعادته الني سنها فيمن مض من الأمم، من هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين، قال في البحر : أي سن الله لأنبيائه ورسله سنة قديمة وهي قوله :[ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ]
[ ولن تجد لسنة الله تبديلا ] أي وسنته تعالى لا تتبدل ولا تتغير
[ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ] أي وهو تعالى بقدرته وتدبيره، صرف أيدي كفار مكة عنكم، كما صرت عنهم أيديكم بالحديبية، التي هي قريبة من البلد الحرام قال ابن كثير : هذا امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين، حين كف ايدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين عن المشركين، فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، بل صان كلا من الفريقين، وأوجد بينهم صلحا، فيه خيرة للمؤمنين وعاقبة حسنة لهم في الدنيا والآخرة
[ من بعد أن أظفركم عليهم ] أي من بعد ما أخذتموهم أسارى وتمكنتم منهم، قال الجلال : وذلك أن ثمانين من المشركين طافوا بعسكر المؤمنين ليصيبوا منهم، فأخذوا وأتي بهم إلى رسول الله (ص) فعفا عنهم وخلى سبيلهم، فكان ذلك سبب الصلح وقال في التسهيل : وروي في سببها أن جماعة من فتيان قريش خرجوا إلى الحديبية، ليصيبوا من عسكر رسول الله (ص)، فبعث إليهم رسول الله (ص) خالد بن الوليد في جماعة من المسلمين، فهزموهم وأسروا منهم قومأ، وساقوهم الى رسول الله (ص) فأطلقهم، فكف أيدي الكفار هو هزيمتهم وأسرهم، وكف أيدي المؤمنين عن الكفار، هو إطلاقهم من الأسر، وسلامتهم من القتل
[ وكان الله بما تعملون بصيرا ] أي هو تعالى بصير بأعمالكم وأحوالكم، يعلم ما فيه مصلحة لكم، ولذلك حجزكم عن الكافرين رحمة بكم، وحرمة لبيته العتيق، لئلا تسفك فيه الدماء.. ثم ذكر تعالى استحقاق المشركين للعذاب والدمار، فقال سبحانه :