[ هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام ] أي هم كفار قريش المعتدون، الذين كفروا بالله والرسول، ومنعوا المؤمنين عن دخول المسجد الحرام، لأداء مناسك العمرة عام الحديبية
[ والهدي معكوفا أن يبلغ محله ] أي وصدوا الهدي أيضا وهو ما يهدى لبيت الله لفقراء الحرم - معكوفا أي محبوسا عن أن يبلغ مكانه الذي يذبح فيه وهو الحرم قال القرطبي : يعني قريشا منعوا المسلمين من دخول المسجد الحرام عام الحديبية، حين أحرم رسول الله (ص) مع أصحابه بالعمرة، ومنعوا الهدي وحبسوه عن أن يبلغ محله، وهذا كانوا لا يعتقدونه، ولكن حملتهم الأنفة ودعتهم الحمية الجاهلية، على أن يفعلوا ما لا يعتقدونه دينا، فوبخهم الله على ذلك وتوعدهم عليه، وأدخل الأثر على رسول الله ببيانه ووعده
[ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ] أي ولولا أن في مكة رجالا ونساء من المؤمنين المستضعفين، الذين يخفون إيمانهم خوفا من المشركين
[ لم تعلموهم ] أي لا تعرفونهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين
[ أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ] أي كراهة أن توقعوا بهم وتقتلوا منهم، دون علم منكم بإيمانهم، فينالكم بقتلهم إثم وذنب، وجواب " لولا " محذوف تقديره : لأذن لكم في دخول مكة، ولسلطكم على المشركين، قال الصاوي : والجواب محذوف قدره الجلال بقوله : لأذن لكم في الفتح، ومعنى الآية : لولا كراهة أن تهلكوا أناسا مؤمنين بين أظهر الكفار، حال كونكم جاهلين بهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه، لما كف أيديكم عنهم )، ولأذن لكم في فتح مكة
[ ليدخل الله في رحمته من يشاء ] أي إنما فعل ذلك ليختص المؤمنين من بين أظهر المشركين، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام، قال القرطبي : أي لم يأذن الله لكم في قتال المشركين، ليسلم بعد الصلح من قضى الله أن يسلم من أهل مكة، وكذلك كان، أسلم الكثير منهم وحسن إسلامه، ودخلوا في رحمته وجنته
[ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ] أي لو تفرقوا وتميز بعضهم عن بعض، وانفصل المؤمنون عن الكفار، لعذبنا الكافرين منهم أشد العذاب، بالقتل والسبى، والتشريد من الأوطان
[ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ] أي حين دخل إلى قلوب الكفار الأنفة والكبرياء بالباطل، فرفضوا أن يكتبوا في كتاب الصلح (بسم الله الرحمن الرحيم ) ورفضوا أن يكتبوا (محمد رسول الله ) وقولهم : لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك
[ حمية الجاهلية ] اي أنفة وغطرسة، وعصبية جاهلية (( يقول سيد قطب رحمه الله في تفسير الظلال ما نصه " وهذه الحمية إنما هي حمية الكبر والفخر، والبطر والتعنت، الحمية الجاهلية التي جعلتهم يقفون في وجه رسول الله (ص) والمؤمنين، يمنعونهم من المسجد الحرام، ويحبسون الهدي الذي ساقوه أن يبلغ محله الذي ينحر فيه، مخالفين بذلك كل عرف وكل عقيدة، كي لا تقول العرب : إن محمدا دخلها عليهم عنوة، ففي سبيل هذه النعرة الجاهلية يرتكبون هذه الكبيرة الكريهة في كل عرف ودين، وينتهكون حرمة البيت الحرام الذي يعيشون على حساب قداسته، وينتهكون حرمة الأشهر الحرام التي لم تنتهك فى جاهلية ولا إسلام " )).
[ فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ] أي جعل الطمأنينة والوقار في قلب الرسول والمؤمنين، ولم تلحقهم العصبية الجاهلية كما لحقت المشركين


الصفحة التالية
Icon