[ وألزههم كلمة التقوى ] أي اختار لهم كلمة التقوى - إلزام تكريم وتشريف - وهي كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " هذا قول الجمهور، والظاهر : أن المراد بكلمة التقوى هي إخلاصهم وطاعتهم لله ورسوله وعدم شق عصا الطاعة، عندما كتبت بنود الصلح، وكانت مجحفة بحقوق المسلمين في الظاهر، فثبت الله المؤمنين على طاعة رسول الله (ص) وكان في هذا الصلح كل الخير للمسلمين
[ وكانوا أحق بها وأهلها ] أي وكانوا أحق بهذه الفضيلة من كفار مكة، لأن الله اختارهم لدينه وصحبة نبيه
[ وكان الله بكل شيء عليما ] أي عالما بمن هو أهل للفضل، فيخصه بمزيد من الخير التكريم.. ثم أخبر تعالى عن رؤيا رسول الله، فى المنام - وهي رؤيا حق - لأنها جزء من الوحي، فقال سبحانه :
[ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ] اللام موطئة للقسم، و " قد " للتحقيق أي والله لقد جعل الله رؤيا رسوله صادقة محققة، لم يدخلها الشيطان لأنها رؤيا حق، قال المفسرون : كان رسول الله (ص) قد رأى في منامه، أنه دخل مكة هو وأصحابه وطافوا بالبيت، ثم حلق بعضهم وقصر بعضهم، فحدث بها أصحابه ففرحوا واستبشروا، فلما خرج إلى الحديبية مع الصحابة، وصده المشركون عن دخول مكة، ووقع ما وقع من قضية الصلح، ارتاب المنافقون وقالوا : والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا البيت، فأين هي الرؤيا ؟ ووقع في نفوس بعض المسلمين شيء فنزلت الآية [ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ] فأعلم تعالى أن رؤيا رسوله حق، وأنه لم يكذب فيما رأى، ولكن ليس في الرؤيا أنه يدخلها عام ست من الهجرة، وإنما أراه مجرد صورة الدخول، وقد حقق الله له ذلك بعد عام، فذلك قوله تعالى :
[ لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ] أي لتدخلن يا محمد أنت وأصحابك المسجد الحرام بمشيئة الله
[ آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ] أي تدخلونها آمنين من العدو، تؤدون مناسك العمرة ثم يحلق بعضكم رأسه، ويقصر بعض
[ لا تخافون ] أي غير خائفين، وليس فيه تكرار لأن المراد آمنين وقت دخولكم، وحال المكث، وحال الخروج
[ فعلم ما لم تعلموآ ] أي فعلم تعالى ما في الصلح من الحكمة، والخير والمصلحة لكم، ما لم تعلموه أنتم، قال ابن جزي : يريد ما قدره تعالى من ظهور الإسلام في تلك المدة، فإنه لما انعقد الصلح وارتفعت الحرب، رغب الناس في الإسلام، فكان رسول الله (ص) فى غزوة الحديبية في ألف وأربعائة، وغزا (غزوة الفتح ) بعدها بعامين ومعه عشرة الآف
[ فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ] أي فجعل قبل ذلك فتحا عاجلا لكم، وهو " صلح الحديبية " وسمي فتحا لما ترتب عليه من الآثار الجليلة، والعواقب الحميدة، ولهذا روى البخاري عن البراء رضي الله عنه أنه قال : تعدون انتم الفتح " فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحآ، ونحن نعد الفتح " بيعة الرضوان " يوم الحديبية ٠٠ الحديث
[ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ] أي هو جل وعلا الذي أرسل محمدا بالهداية التامة، والرسالة الشاملة الكاملة، والدين الحق المستقيم دين الإسلام
[ ليظهره على الدين كله ] أي ليعليه على جميع الأديان، ويرفعه على سائر الشرائع السماوية
[ وكفى بالله شهيدا ] أي وكفى بالله شاهدا على أن محمدا رسوله.. ثم أثنى تعالى على أصحاب رسول الله بالثناء العاطر، وشهد لرسوله بصدق الرسالة فقال سبحانه :
[ محمد رسول الله ] أي هذا الرسول المسمى محمدا هو رسول الله حقا، لا كما يقول المشركون إنه ساحر أو شاعر