[ والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ] أي وأصحابه الأبرار الأخيار، غلاظ على الكفار متراحمون فيما بينهم، كقوله تعالى :[ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ] قال أبو السعود : أي يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة، ولمن وافقهم في الدين الرحمة والرأفة، قال المفسرون : وذلك لأن الله أمرهم بالغلظة عليهم وليجدوا فيكم غلظة ] وقد بلغ من تشديدهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تمس أبدانهم، وكان الواحد منهم إذا رأى أخاه في الدين صافحه وعانقه
[ تراهم ركعا سجدا ] أي تراهم أيها السامع راكعين ساجدين، من كثرة صلاتهم وعبادتهم، فهم رهبان بالليل أسود بالنهار
[ يبتغون فضلا من الله ورضوانا ] أي يطلبون بعبادتهم رحمة الله ورضوانه، قال ابن كثير : وصفهم بكثرة الصلاة وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص لله عز وجل والاحتساب عنده بجزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله ورضاه
[ سيماهم في وجوههم من أثر السجود ] أي علامتهم وسمتهم كائنة في جباههم، من كثرة السجود والصلاة قال القرطبي : لاحت في وجوههم علامات التهجد بالليل، وأمارات السهر، قال ابن جريج : هو الوقار والبهاء، وقال مجاهد : هو الخشوع والتواضع، قال منصور سألت مجاهدا عن قوله تعالى :[ سيماهم في وجوههم ] أهو أثر يكون بين عيني الرجل ؟ قال : لا، ربما يكون بين عيني الرجل مثل ركبة العنز، وهو أقسى قلبا من الحجارة، ولكنه نور في وجوههم من الخشوع
[ ذلك مثلهم قي التوراة ] أي ذلك وصفهم في التوراة : الشدة على الكفار، والرحمة بالمؤمنين، وكثرة الصلاة والسجود
[ ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه ] أي ومثلهم في الإنجيل كزرج أخرج فراخه وفروعه
[ فآزره فاستغلظ ] أي فقواه حتى صار غليظا
[ فاستوى على سوقه ] أي فقام الزرع واستقام على أصوله، قال البخاري : وهو مثل ضربه الله للنبى (ص) إذ خرج وحده ثم قواه الله بأصحابه، كما قوى الحبة بما ينبت منها
[ يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ] أي يعجب هذا الزرع الزراع، بقوته وكثافته وحسن منظره، ليغتاظ بهم الكفار، قال الضحاك : هذا مثل في غاية البيان، فالزرع محمد (ص) والشطء أصحابه، كانوا قليلا فكثروا، وضعفاء فقووا، وقال القرطبي : وهذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب النبي (ص)، يعني أنهم يكونون قليلا، ثم يزدادون ويكثرون، فكان النبي (ص)حين بدأ بالدعوة ضعيفا، فأجابه الواحد بعد الواحد حتى قوي أمره، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفا فيقوى حالا بعد حال، حتى يغلظ نباته، وأفراخه، فكان هذا من أصح مثل وأقوى بيان
[ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ] أي وعدهم تعالى في الآخرة بالمغفرة التامة، والأجر العظيم، والرزق الكريم في جنات النعيم، اللهم ارزقنا محبتهم يا رب العالمين.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - ا لطباق بين [ تقدم.. وتأخر ] وبين [ مبشرا.. ونذيرا ] وبين [ بكرة.. وأصيلا ] وبين [ نكث.. وأوفى ] وبين [ أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا ] وبين [ يغفر.. ويعتب ] وبين [ محلقين.. ومقصرين ] وبين [ أشداء.. ورحماء ].
٢ - المقابلة اللطيفة بين [ ليدخل المؤمنين والمؤمنات.. ] الآية وبين [ ويعذب المنافقين والمنافقات ] الآية.


الصفحة التالية
Icon