أ - روي أن بعض الأعراب الجفاة جاءوا إلى حجرات أزواج النبي (ص) فجعلوا ينادونه : يا محمد أخرج إلينا، يا محمد أخرج إلينا فأنزل الله [ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لايعقلون ].
ب - وروي أن النبي (ص) بعث (الوليد بن عقبة) إلى الحارث بن ضرار ليقبض ما كان عنده من الزكاة التي جمعها من قومه، فلما سار الوليد واقترب منهم، خاف وفزع، فرجع إلى رسول الله (ص) وقال يا وسول الله : إنهم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة، فهم بعض الصحابة بالخروج إليهم وقتالهم، فأنزل الله [ ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.. ] الآية.
ج - عن أنس قال : قيل للنبي (ص) لو أتيت " عبد الله بن ابى " - وهو رأس المنافقين - فانطلق إليه وركب حمارا، وانطلق معه المسلمون يمشون، فلما أتاه النبي (ص) قال له : إليك عني - أي تنح وابتعد عني - فوالله لقد أذاني نتن حمارك، فقال رجل من الانصار : والله لحمار رسول الله (ص) أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب للأنصاري آخرون من قومه، فكان بينهم ضرب بالجريد، والأيدي والنعال، فأنزل الله [ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما.. ] الآية.
التفسير :
[ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ] أي يا أيها المؤمنون، يا من اتصفتم بالإيمان، وصدقتم بكتاب الله، لا تقدموا أمرا أو فعلا بين يدي الله ورسوله، وحذف المفعول للتعميم ليذهب ذهن السامع إلى كل ما يمكن تقديمه من قول أو فعل، أي لا تبرموا أمرا، ولا تبدوا رأيا، ولا تقضوا حكما في حضرة النبي (ص) مثله إذا عرضت مسألة في مجلسه (ص) لا يسبقونه بالجواب، وإذا حضر الطعام لا يبتدئون بالأكل، وإذا ذهبوا معه إلى مكان، لا يمشون أمامه ونحو ذلك، قال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه (ص) وقال الضحاك : لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقال البيضاوي : المعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكم الله ورسوله به، وقيل : المراد بين يدي رسول الله (ص) وذكر اسم الله تعظيما له وإشعارا بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله
[ واتقوا الله إن الله سميع عليم ] أي واتقوا الله فيما أمركم به، إن الله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وأحوالكم، وإظهار الاسم الجليل، لتربية المهابة والروعة في النفس.. ثم أرشد تعالى المؤمنين إلى وجوب توقير الرسول (ص)، واجلاله واحترامه فقال سبحانه :
[ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ] (ص) أي إذا كلمتم رسول الله (ص)فاخفضوا أصواتكم، ولا ترفعوها على صوت النبي
[ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ] أي ولا تبلغوا حد الجهر عند مخاطبته (ص)، كما يجهر بعضكم في الحديث مع البعض، ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضا فتقولوا : يا محمد، ولكن قولوا يا نبى الله، ويا رسول الله، تعظيما لقدره، ومراعاة للأدب، روى البخاري عن ابن أبى مليكة أنه قال :(كاد الخيران – أبا بكير، وعمر - أن يهلكا، رفعا أصواتهما عند النبي (ص) حين قدم عليه ركب (بني تميم ) فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس، وأشار الآخر برجل غيره، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافى - أي مخالفة رأي - فقال عمر : ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله [ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ] الآية، قال ابن الزبير : فما كان عمر يسمع رسول الله (ص) بعد هذه الآية حتى يستفهمه قال المفسرون : نزلت في بعض الأعراب الجفاة الذين كانوا ينادون رسول الله باسمه، ولا يعرفون توقير الرسول الكريم


الصفحة التالية
Icon