[ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ] أي خشية أن تبطل أعمالكم من حيث لا تشعرون ولا تدرون ! ! فإن رفع الصوت والجهر بالكلام قي حضرته (ص) استخفاف قد يودي إلى الكفر المحبط للعمل، قال ابن كثير : روي أن ثابت بن قيس كان رفيع الصوت، فلما نزلت الآية قال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله (ص)، أنا من أهل النار، حبط عملي، وجلس في أهله حزينا، فافتقده رسول الله (ص)، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له : تفقدك رسول الله (ص)، ما لك ؟ فقال : أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي (ص)، حبط عملي، أنا من أهل النار، فأتوا النبي (ص) فأخبروه بما قال، فقال النبي (ص) : لا بل هو من أهل الجنة وفي رواية أترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة ؟ فقال : رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله (ص) ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله (ص)
[ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ] أي إن الذين يخفضون أصواتهم في حضرة الرسول (ص)، أولئك الذين أخلص الله قلوبهم للتقوى، ومرنها عليها وجعلها صفة راسخة فيها، قال ابن كثير : أى أخلصها للتقوى وجعلها أهلا ومحلا له
[ لهم مغفرة وأجرعظيم ] أي لهم في الآخرة صفح عن ذنوبهم، ثواب عظيم في جنات النعيم.. ثم ذم تعالى الأعراب الجفاة الذين ما كانوا يتأدبون في ندائهم للرسول (ص) فقال :
[ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ] أي يدعونك من وراء الحجرات، منازل أزواجك الطاهرات
[ أكثرهم لا يعقلون ] أي أكثر هؤلاء غير عقلاء، إذ العقل يقتضي حسن الأدب، ومراعاة العظماء عند خطابهم، سيما لمن كان بهذا المنصب الخطير، قال البيضاوي : قيل إن الذي ناداه " عيينة بن حصين " و " الأقرع بن حابى " وفدا على رسول الله (ص) في سبعين رجلا من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد، فقالا : يا محمد أخرج إلينا
[ ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ] أي ولو أن هؤلاء المنادين، لم يزعجوا الرسول (ص) بمناداتهم، وصبروا حتى يخرج إليهم لكان ذلك الصبر خيرا لهم وأفضل، عند الله وعند الناس، لما فيه من مراعاة الأدب في مقام النبوة
[ والله غفور رحيم ] أي الغفور لذنوب العباد، الرحيم بالمؤمنين حيث اقتصر على نصحهم وتقريعهم، ولم ينزل العقاب بهم.. ثم حذر تعالى من الاستماع للأخبار بغير تثبت، فقال سبحانه :
[ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ ] أي إذا أتاكم رجل فاسق - غير موثوق بصدقه وعدالته - بخبر من الأخبار
[ فتبينوا ] أي فتثبتوا من صحة الخبر
[ أن تصيبوا قوما بجهالة ] أي لئلا تصيبوا قوما وأنتم جاهلون حقيقة الأمر
[ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ] أي فتصيروا نادمين أشد الندم على صنيعكم
[ واعلموا أن فيكم رسول الله ] أي واعلموا - أيها المؤمنون - أن بينكم الرسول المعظم، والنبى المكرم، المعصوم عن اتباع الهوى
[ لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ] أي لو يسمع وشاياتكم، ويصغي لإرادتكم، ويطيعكم في غالب ما تشيرون عليه في الأمور، لوقعتم في الجهد والهلاك، قال ابن كثير : أي اعلموا أن بين أظهركم رسول الله، فعظموه ووقروه، فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم، ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه، لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم
[ ولكن الله حبب إليكم الإيمان ] أي ولكنه تعالى - بمنه وفضله - نور بصائركم فحبب إلى نفوسكم الإيمان
[ وزينه في قلوبكم ] أي وحسنه في قلوبكم، حتى أصبح أغلى عندكم من كل شيء
[ وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ] أي ويغض إلى نفوسكم أنواع الضلال، من الكفر، والمعاصي، والخروج عن طاعة الله، والمراد بالفسوق الذنوب الكبار، وبالعصيان جميع المعاصي