[ أولئك هم الراشدون ] أي أولئك المتصفون بالنعوت الجليلة هم المهتدون، الراشدون في سيرتهم وسلوكهم، والجملة تفيد الحصر أي هم الراشدون لا غيرهم
[ فضلا من الله ونعمة ] أي هذا العطاء تفضل منه تعالى عليكم وإنعام
[ والله عليم حكيم ] أي عليم بمن يستحق الهداية، حكيم في خلقه وصنعه وتدبيره.. ثم عقب تعالى على ما يترتب على سماع الأنباء المكذوبة، من تخاصم وتباغض وتقاتل، فقال سبحانه :
[ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ] أي وإن حدث أن فئتين وجماعتين من إخوانكم المؤمنين جنحوا إلى القتال فأصلحوا بينهما، واسعوا جهدكم للإصلاح بينهما، والجمع [ اقتتلوا ] باعتبار المعنى، والتثنية [ بينهما ] باعتبار اللفظ لأن لفظ (طائفة) مفرد، وإن كان معناها العدد الوافر من الناس
[ فإن بغت إحداهما على الأخرى ] أي فإن اعتدت إحداهما على الأخرى، وتجاوزت حدها بالظلم والطغيان، ولم تقبل الصلح، وصممت على البغي
[ فقاتلوا التى تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ] أي فقاتلوا الفئة الباغية، حتى ترجع إلى حكم الله وشرعه، وتقلع عن البغي والعدوان، وتعمل بمقتض اخوة الإسلام
[ فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ] أي فإن رجعت وكفت عن القتال، فأصلحوا بينهما بالعدل، دون حيف على إحدى الفئتين، واعدلوا في جميع أموركم
[ إن الله يحب المقسطين ] أي يحب العادلين الذين لا يجورون في أحكامهم، قال البيضاوى : والآية نزلت في قتال حدث بين " الأوس " و " الخزرج " في عهده (ص) كان فيه ضرب بالسعف والنعال، وهي تدل على أن الباغي مؤمن، وأانه إذا كف عن الحرب ترك، وأنه يجب تقديم النصح والسعي في المصالحة
[ إنما المؤمنون إخوة ] أي ليس المؤمنون إلا إخوة، جمعتهم رابطة الإيمان، فلا ينبغي أن تكون بينهم عداوة ولا شحناء، ولا تباغض ولا تقاتل، قال المفسرون :[ إنما ] للحصر فكأنه يقول : لا أخوة إلا بين المؤمنين، ولا أخوة بين مؤمن وكافر، وفي الآية إشارة إلى أن أخوة الإسلام أقوى من أخوة النسب، بحيث لا تعتبر أخوة النسب، إذا خلت عن أخوة الإسلام
[ فأصلحوا بين أخويكم ] أي فأصلحوا بين إخوانكم المؤمنين، ولا تتركوا الفرقة تدب، والبغضاء تعمل عملها
[ واتقوا الله لعلكم ترحمون ] أي اتقوا الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، لتنالكم رحمته، وتسعدوا بجنته ومرضاته
[ يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ] أي يا معشر المؤمنين، يا من اتصفتم بالإيمان، ومذقتم بكتاب الله وبرسوله (ص) لا يهزأ جماعة بجماعة، ولا يسخر أحد من أحد، فقد يكون المستهزىء منه، خيرا عند الله من الساخر (ورب أشعث أغبر ذو طمرين، لو أقسم على الله لأبره )
[ ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ] أي ولا يسخر نساء من نساء، فعسى أن تكون المحتقر منها، خيرا عند الله وأفضل من الساخرة
[ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ] أي ولا يعب بعضكم بعضا، ولا يذكر أو ينادي بعضكم بعضا بلقب السوء، وإنما قال :[ أنفسكم ] لأن المسلمين كأنهم نفس واحدة
[ بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ] أي بئس أن يسمى الإنسان فاسقا بعد أن صار مؤمن، قال البيضاوى : وفي الآية دلالة على أن التنابز فسق، والجمع بينه وبين الإيمان مستقبح
[ ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ] أي ومن لم يتب عن اللمز والتنابز، فأولئك هم الظالمون بتعريض أنفسهم للعذاب
[ يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ] أي ابتعدوا عن التهمة والتخون، واساءة الظن بالأهل والناس، وعبر بالكثير ليحتاط الإنسان في كل ظن، ولا يسارع فيه بل يتأمل ويتحقق